مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإٖ فِي مَسۡكَنِهِمۡ ءَايَةٞۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٖ وَشِمَالٖۖ كُلُواْ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لَهُۥۚ بَلۡدَةٞ طَيِّبَةٞ وَرَبٌّ غَفُورٞ} (15)

{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ } بالصرف بتأويل الحي ، وبعدمه : أبو عمرو بتأويل القبيلة { فِى مَسْكَنِهِمْ } حمزة وحفص { مَسْكَنِهِمْ } علي وخلف وهو موضع سكناهم وهو بلدهم وأرضهم التي كانوا مقيمين فيها باليمن أو مسكن كل واحد منهم ، غيرهم { مساكنهم } { ءايَةً } اسم كان { جَنَّتَانِ } بدل من { ءايَةً } أو خبر مبتدأ محذوف تقديره الآية جنتان ، ومعنى كونهما آية أن أهلها لما أعرضوا عن شكر الله سلبهم الله النعمة ليعتبروا ويتعظوا فلا يعودوا إلى ما كانوا عليه من الكفر وغمط النعم ، أو جعلهما آية أي علامة دالة على قدرة الله وإحسانه ووجوب شكره { عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ } أراد جماعتين من البساتين جماعة عن يمين بلدهم وأخرى عن شمالها ، وكل واحدة من الجماعتين في تقاربها وتضامها كأنها جنة واحدة كما تكون بساتين البلاد العامرة ، أو أراد بستاني كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله { كُلُواْ مِن رّزْقِ رَبّكُمْ واشكروا لَهُ } حكاية لما قال لهم أنبياء الله المبعوثون إليهم ، أو لما قال لهم لسان الحال ، أو هم أحقاء بأن يقال لهم ذلك . ولما أمرهم بذلك أتبعه قوله { بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة ، وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور لمن شكره . قال ابن عباس : كانت سبأ على ثلاث فراسخ من صنعاء وكانت أخصب البلاد ، تخرج المرأة وعلى رأسها المكتل فتعمل بيدها وتسير بين تلك الشجر فيمتليء المكتل مما يتساقط فيه من الثمر وطيبها ليس فيها بعوض ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية ، ومن يمر بها من الغرباء يموت قمله لطيب هوائها .