وفي ظل هذين المشهدين يحدثهم عما يصيبهم في هذه الحياة بما كسبت أيديهم . لا كله . فإن الله لا يؤاخذهم بكل ما يكسبون . ولكن يعفو منه عن كثير . ويصور لهم عجزهم ويذكرهم به ، وهم قطاع صغير في عالم الأحياء الكبير :
( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير . وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ) .
وفي الآية الأولى يتجلى عدل الله ، وتتجلى رحمته بهذا الإنسان الضعيف . فكل مصيبة تصيبه لها سبب مما كسبت يداه ؛ ولكن الله لا يؤاخذه بكل ما يقترف ؛ وهو يعلم ضعفه وما ركب في فطرته من دوافع تغلبه في أكثر الأحيان ، فيعفو عن كثير ، رحمة منه وسماحة .
ثم بين الله تعالى للناس أن هذه الحياة فيها دستورٌ ثابت لا يتغير وهو أنه : كل ما يحلّ بكم أيها الناس من المصائب في الدنيا يكون بسبب معاصيكم ، وما اجترمتم من آثام .
ولو نظرنا الآن إلى أحوالنا نحن العربَ والمسلمين وما نحن عليه من ضعف وتأخر وتفكك ، لرأينا أن هذه الآية تنطبق على حالنا ومجتمعاتنا .
فنحن لا ينقصنا مال ولا رجال ، ولا أرض ، وإنما ينقصُنا صدق الإيمان ، واجتماع الكلمة ، والعمل الصحيح لبناء مجتمع سليم ، يجمع الكلمة ويوحّد الصفوف ، ويوفر هذه الأموال الضائعة على شهوات بعض أفراد معدودين من متنفّذي الأمة يبذّرونها على السيارات والقصور والأثاث الفاخر وإشباع الغرائز ، ويكدّسون أموال المسلمين في بنوك الأعداء .
ولو أن زكاة هذه الأموال صرفت على الدفاع عن الوطن ، والاستعداد لمواجهة العدو المتربص بنا لكان فيه الكفاية . إن العمل الصالح والتنظيم والحكم الأمين يدوم ويرفع مستوى الناس حتى يعيشوا في رغد من العيش ، أما الظلم والفساد والطغيان في الحكم واتباع الشهوات فإنه لا يدوم ، ويجعل الناس في قلق وبلبلة وشكّ وضياع كما هو واقع في مجتمعاتنا . . . . وهذا معنى { فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } . والله سبحانه وتعالى يرحم من تاب ويعفو عن كثير من الذنوب والأخطاء ، ورحمته واسعة والحمد لله .
قرأ نافع وابن عامر : بما كسبت أيديكم . والباقون : فبما كسبت أيديكم .
قوله تعالى : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } قرأ أهل المدينة والشام { بما كسبت } بغير فاء ، وكذلك هو في مصاحفهم فمن حذف الفاء جعل ما في أول الآية بمعنى الذي أصابكم بما كسبت أيديكم . { ويعفو عن كثير } قال الحسن : لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفس محمد بيده ما من خدش عود ولا عثرة قدم ، ولا اختلاج عرق إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر " .
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني أبو عبد الله بن فنجويه ، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي ، حدثنا بشر بن موسى الأسدي ، حدثنا خلف بن الوليد ، حدثنا مروان بن معاوية ، أخبرني الأزهر بن راشد الباهلي عن الخضر ابن القواس البجلي عن أبي سخيلة قال : قال علي بن أبي طالب : ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله عز وجل حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } قال : وسأفسرها لك يا علي : ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فيما كسبت أيديكم ، والله عز وجل أكرم من أن يثني عليهم العقوبة في الآخرة ، وما عفا عنكم في الدنيا فالله أحلم من أن يعود بعد عفوه . قال عكرمة : ما من نكبة أصابت عبداً فما فوقها إلا بذنب لم يكن الله ليغفر إلا بها ، أو درجة لم يكن الله ليبلغها إلا بها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.