في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (14)

فهاهم أولاء المنافقون ينادون المؤمنين : ( ألم نكن معكم ? ) . . فما بالنا نفترق عنكم ? ألم نكن معكم في الدنيا نعيش في صعيد واحد ? وقد بعثنا معكم هنا في صعيد واحد ? ( قالوا : بلى ! )كان الأمر كذلك . ( ولكنكم فتنتم أنفسكم ) . . فصرفتموها عن الهدى . ( وتربصتم ) . . فلم تعزموا ولم تختاروا الخيرة الحاسمة . ( وارتبتم ) . . فلم يكن لكم من اليقين ما تعزمون به العزمة الأخيرة . ( وغرتكم الأماني ) . . الباطلة في أن تنجوا وتربحوا بالذبذبة وإمساك العصا من طرفيها ! ( حتى جاء أمر الله ) . . وانتهى الأمر . ( وغركم بالله الغرور ) . . وهو الشيطان الذي كان يطمعكم ويمنيكم " .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (14)

فتنتم أنفسكم : أهلكتموها .

تربصتم : انتظرتم بالمؤمنين الشرّ والمصائب .

ارتبتم : شككتم في أمر البعث .

الأماني : الأباطيل .

الغَرور ( بفتح الغين ) : الشيطان .

ثم ينادِي المنافقون المؤمنين فيقولون لهم : ألَمْ نكُنْ مَعَكم في الدنيا ! ؟ فيقول لهم المؤمنون :

{ بلى ولكنكم فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وارتبتم وَغرَّتْكُمُ الأماني حتى جَآءَ أَمْرُ الله وَغَرَّكُم بالله الغرور } .

لقد كنتم معنا ولكنكم لم تؤمنوا ، وأهلكتم أنفسكم بالنفاق ، وتربصتم بالمؤمنين الشرَّ والحوادثَ المهلكة ، وشككتم في أمور الدينِ . لقد خدعتكم الآمالُ الكاذبة حتى جاءكم الموتُ ، وخدعكم الشيطان .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (14)

شرح الكلمات :

{ ينادونهم ألم نكن معكم } : أي ينادي المنافقون المؤمنين قائلين ألم نكن معكم في الدنيا على الطاعات أي فنصلى كما تصلون ونجاهد كما تجاهدون وننفق كما تنفقون .

{ قالوا بلى } : أي كنتم معنا على الطاعات .

{ ولكنكم فتنتم أنفسكم } : أي بالنفاق وهو كفر الباطن وبغض الإِسلام والمسلمين .

{ وتربصتم } : أي الدوائر بالمسلمين أي كنتم تنتظرون متى يهزم المؤمنون فتعلنون عن كفركم وتعودون إلى شرككم .

{ وغركم بالله الغرور } : أي وغركم بالإِيمان بالله ورسوله حيث زين لكم الكفر وكره إليكم الإِيمان الشيطان .

المعنى :

فيأخذون في ندائهم ألم نكن معكم على الطاعات أيها المؤمنون فقد كنا نصلي معكم نجاهد معكم وننفق كما تنفقون فيقول لهم المؤمنون بلى أي كنتم معنا في الدنيا على الطاعات في الظاهر ولكنكم فتنتم أنفسكم بالنفاق وتربصتم بنا الدوائر لتعلنوا عن كفركم وتعودوا إلى شرككم ، وارْتَبتُم أي شككتم في صحة الإِسلام وفي عقائده ومن ذلك البعث الآخر وغرتكم الأماني الكاذبة والأطماع في أن محمداً لن ينتصر وأن دينه لن يظهر ، حتَّى جاء أمر الله بنصر رسوله وإظهار دينه وغركم بالله الغرور أي بالإِيمان بالله أي بعد معاجلته لكم بالعذاب والستر عليكم وعدم كشف الستار عنكم وإظهاركم على ما أنتم عليه من الكفر الغرور أي الشيطان إذ هو الذي زين لكم الكفر وذكركم بعفو الله وعدم مؤاخذته لكم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (14)

فينادي المنافقون المؤمنين ، فيقولون لهم تضرعا وترحما : { أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ } في الدنيا نقول : { لا إله إلا الله } ونصلي ونصوم ونجاهد ، ونعمل مثل عملكم ؟ { قَالُوا بَلَى } كنتم معنا في الدنيا ، وعملتم [ في الظاهر ] مثل عملنا ، ولكن أعمالكم أعمال المنافقين ، من غير إيمان ولا نية [ صادقة ] صالحة ، بل { فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ } أي : شككتم في خبر الله الذي لا يقبل شكا ، { وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ } الباطلة{[982]} ، حيث  تمنيتم أن تنالوا منال المؤمنين ، وأنتم غير موقنين ، { حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ } أي : حتى جاءكم الموت وأنتم بتلك الحال الذميمة .

{ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ } وهو الشيطان ، الذي زين لكم الكفر والريب ، فاطمأننتم به ، ووثقتم بوعده ، وصدقتم خبره .


[982]:- كذا في ب، وفي أ: التي.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (14)

قوله تعالى : { ينادونهم } روي عن عبد الله بن عمر قال : إن السور الذي ذكر الله تعالى في القرآن { فضرب بينهم بسور له باب } هو سور بيت المقدس الشرقي ، { باطنه فيه الرحمة ، وظاهره من قبله العذاب } ، وادي جهنم . وقال شريح : كان كعب يقول : في الباب الذي يسمى باب الرحمة في بيت المقدس : إنه الباب الذي قال الله عز وجل : { فضرب بينهم بسور له باب }الآية . { ينادونهم } يعني : ينادي المنافقون المؤمنين من وراء السور حين حجز بينهم بالسور وبقوا في الظلمة : { ألم نكن معكم } في الدنيا نصلي ونصوم ؟ { قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم } أهلكتموها بالنفاق والكفر واستعملتموها في المعاصي والشهوات ، وكلها فتنة ، { وتربصتم } بالإيمان والتوبة . قال مقاتل : وتربصتم بمحمد الموت وقلتم يوشك أن يموت فنستريح منه ، { وارتبتم } ، شككتم في نبوته وفيما أوعدكم به ، { وغرتكم الأماني } الأباطيل وما كنتم تتمنون من نزول الدوائر بالمؤمنين ، { حتى جاء أمر الله } يعني الموت ، { وغركم بالله الغرور } يعني الشيطان ، قال قتادة : ما زالوا على خدعة من الشيطان حتى قذفهم الله في النار .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (14)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ينادونهم} يعني يناديهم المنافقون من وراء السور. {ألم نكن معكم} في دنياكم {قالوا بلى} كنتم معنا في ظاهر الأمر.

{ولكنكم فتنتم} يعني أكفرتم {أنفسكم}... {وتربصتم} يعني بمحمد الموت، وقلتم يوشك محمد أن يموت فنستريح منه {وارتبتم} يعني شككتم في محمد أنه نبي {وغرتكم الأماني} عن دينكم، وقلتم: يوشك محمد أن يموت فيذهب الإسلام فنستريح.

{حتى جاء أمر الله} الموت {وغركم بالله الغرور} يعني الشياطين...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى "يقول تعالى ذكره: ينادي المنافقون المؤمنين حين حُجز بينهم بالسور، فبقوا في الظلمة والعذاب، وصار المؤمنون في الجنة، ألم نكن معكم في الدنيا نصلي ونصوم، ونناكحكم ونوارثكم؟ قالوا: بلى، يقول: قال المؤمنون: بلى، بل كنتم كذلك، ولكنكم فَتَنتم أنفسكم، فنافقتم، وفِتْنَتهم أنفسَهم في هذا الموضع كانت النفاق...

وقوله: "وَتَرَبّصْتُمْ" يقول: وتلبثتم بالإيمان، ودافعتم بالإقرار بالله ورسوله... وقوله: "وَارْتَبْتُمْ" يقول: وشككتم في توحيد الله، وفي نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم...

وقوله: "وَغَرّتْكُمُ الأمانِيّ" يقول: وخدعتكم أمانيّ نفوسكم، فصدتكم عن سبيل الله وأضلتكم "حتى جاءَ أمْرُ اللّهِ" يقول: حتى جاء قضاء الله بمناياكم، فاجتاحتكم...

وقوله: "وَغَرّكُمْ باللّهِ الغَرُورُ" يقول: وخدعكم بالله الشيطان، فأطمعكم بالنجاة من عقوبته، والسلامة من عذابه...

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :

{وغرتكم الأماني} ما كنتم تمنون من نزول الدوابر بالمؤمنين {وغركم بالله} أي بحلمه وإمهاله.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وَغرَّتْكُمُ الأمانى}: طول الآمال والطمع في امتداد الأعمار.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{بلى} كنتم معنا، ولكنكم عرضتم أنفسكم للفتنة، وهو حب العاجل والقتال عليه.

{أمر الله} الذي {جاء} هو الفتح وظهور الإسلام. وينبغي لكل مؤمن أن يعتبر هذه الآية في نفسه وتسويفه في توبته.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{وارتبتم}...

شككتم في وعيد الله...شككتم في البعث والقيامة.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ينادونهم} أي المنافقون والمنافقات، يواصلون النداء وهم في الظلمة للذين آمنوا يترفقون لهم في مدة هذا القول والضرب: {ألم نكن} أي بكليتنا {معكم}.

{ولكنكم فتنتم} أي كنتم بما كان لكم من الذبذبة تختبرون {أنفسكم} فتخالطونها باختبار أحوال الدين مخالطة محيلة لها مميلة عما كانت عليه من أصل الفطرة من الاستقامة، تريدون بذلك أن تظهر لكم فيه أمور محسوسة لتخلصوا فيه من الشكوك فتخلصوا، فما آمنتم بالغيب فأهلكتموها وتبعتم أيضاً الأمور التي كنتم تفتنون بها من الشهوات، فأوجبتم لكم الإعراض عن المعالي الباطنات {وتربصتم} أي كلفتم أنفسكم أن أخرجتموها عن الفطرة الأولى فأمهلتم وانتظرتم لتروا الأمر عياناً أو لم تفعلوا كما فعلنا من الإيمان بالغيب وترك التجربة ونسبة ما يحصل لنا مما فيه فتنة إلى أنفسنا بتقصيرنا، وكنا كلما حصل لنا ما يزلزل نقول: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ولا يزيدنا ذلك إلاّ إيماناً وتسليماً.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فهاهم أولاء المنافقون ينادون المؤمنين: (ألم نكن معكم؟).. فما بالنا نفترق عنكم؟ ألم نكن معكم في الدنيا نعيش في صعيد واحد؟ وقد بعثنا معكم هنا في صعيد واحد؟ (قالوا: بلى!) كان الأمر كذلك. (ولكنكم فتنتم أنفسكم).. فصرفتموها عن الهدى. (وتربصتم).. فلم تعزموا ولم تختاروا الخيرة الحاسمة. (وارتبتم).. فلم يكن لكم من اليقين ما تعزمون به العزمة الأخيرة. (وغرتكم الأماني).. الباطلة في أن تنجوا وتربحوا بالذبذبة وإمساك العصا من طرفيها! (حتى جاء أمر الله)..

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

... {ألم نكن معكم} استفهام تقريري، استعمل كناية عن طلب اللحاق بهم والانضمام إليهم كما كانوا معهم في الدنيا يعملون أعمال الإسلام من المسلمين...

وذكروا لهم أربعة أصول هي أسباب الخسران، وهي: فتنة أنفسهم، والتربص بالمؤمنين، والارتياب في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم والاغترار بما تُموِّه إليهم أنفسهم. وهذه الأربعة هي أصول الخصال المتفرعة على النفاق.

الأول: فتنتهم أنفسهم، أي عدم قرار ضمائرهم على الإِسلام، فهم في ريبهم يترددون، فكأنَّ الاضطراب وعدم الاستقرار خُلُق لهم...

الثاني: التربص، والتربص: انتظار شيء...

الثالث: الارتياب في الدين وهو الشك في الاعتماد على أهل الإسلام أو على الكافرين وينشأ عنه القعود عن الجهاد...

الرابع: الغرور بالأماني، وهي جمع أمنية وهي اسم التمني. والمراد بها ما كانوا يمنون به أنفسهم من أنهم على الحق وأن انتصار المؤمنين عرض زائل، وأن الحوادث تجري على رغبتهم وهواهم...

وجملة {وغركم بالله الغرور}... أي وغركم بالله أيمة الكفر وقادة النفاق. والتغرير: إظهار الضار في صورة النافع بتمويه وسفسطة. والباء في قوله: {بالله} للسببية أو للآلة المَجازية، أي جعل الشيطان شأن الله سبباً لغروركم بأن خَيّل إليكم أن الحِفاظ على الكفر مرضي لله تعالى وأن النفاق حافظتم به على دينكم وحفظتم به نفوسكم وكرامة قومكم واطلعتم به على أحوال عدوكم...

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (14)

{ ينادونهم } ينادي المنافقون المؤمنين { ألم نكن معكم } في الدنيا نناكحكم ونوارثكم { قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم } آثمتموها بالنفاق { وتربصتم } بمحمد عليه السلام الموت { وارتبتم } شككتم في الايمان { وغرتكم الأماني } ما كنتم تمنون من نزول الدوابر بالمؤمنين { حتى جاء أمر الله } الموت { وغركم بالله } أي بحلمه وامهاله { الغرور } الشيطان

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (14)

قوله تعالى : " ينادونهم " أي ينادي المنافقون المؤمنين " ألم نكن معكم " في الدنيا يعني نصلي مثل ما تصلون ، ونغزو مثل ما تغزون ، ونفعل مثل ، ما تفعلون " قالوا بلى " أي يقول المؤمنون " بلى " قد كنتم معنا في الظاهر " ولكنكم فتنتم أنفسكم " أي استعملتموها في الفتنة . وقال مجاهد : أهلكتموها بالنفاق . وقيل : بالمعاصي ، قاله أبو سنان . وقيل : بالشهوات واللذات ، رواه أبو نمير الهمداني .

" وتربصتم " أي " تربصتم " بالنبي صلى الله عليه وسلم الموت ، وبالمؤمنين الدوائر . وقيل : " تربصتم " بالتوبة " وارتبتم " أي شككتم في التوحيد والنبوة " وغرتكم الأماني " أي الأباطيل . وقيل : طول الأمل . وقيل : هو ما كانوا يتمنونه من ضعف المؤمنين ونزول الدوائر بهم . وقال قتادة : الأماني هنا خدع الشيطان . وقيل : الدنيا ، قال عبدالله بن عباس{[14710]} . وقال أبو سنان : هو قولهم سيغفر لنا . وقال بلال بن سعد : ذكرك حسناتك ونسيانك سيئاتك غرة .

" حتى جاء أمر الله " يعني الموت . وقيل : نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم . وقال قتادة : إلقاؤهم في النار . " وغركم " أي خدعكم " بالله الغرور " أي الشيطان ، قاله عكرمة . وقيل : الدنيا ، قاله الضحاك . وقال بعض العلماء : إن للباقي بالماضي معتبرا ، وللآخر بالأول مزدجرا ، والسعيد من لا يغتر بالطمع ، ولا يركن إلى الخدع ، ومن ذكر المنية نسي الأمنية ، ومن أطال الأمل نسي العمل ، وغفل عن الأجل . وجاء " الغرور " على لفظ المبالغة للكثرة . وقرأ أبو حيوة ومحمد بن السميقع وسماك بن حرب " الغرور " بضم الغين يعني الأباطيل وهو مصدر . وعن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم خط لنا خطوطا ، وخط منها خطا ناحية فقال : ( أتدرون ما هذا ؟ هذا مثل ابن آدم ومثل التمني وتلك الخطوط الآمال بينما هو يتمنى إذ جاءه الموت ) . وعن ابن مسعود قال : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا مربعا ، وخط وسطه خطا ، وجعله خارجا منه ، وخط عن يمينه ويساره خطوطا صغارا فقال : ( هذا ابن آدم وهذا أجله محيط به وهذا أمله قد جاوز أجله وهذه الخطوط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا ) .


[14710]:في ب، ز، س، ل، هـ: "عبد الله بن عياش".
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (14)

ودل على ما أفهمه التعبير بالمضارع في " يقول " من التكرير بقوله استئنافاً : { ينادونهم } أي المنافقون والمنافقات ، يواصلون النداء وهم في الظلمة للذين آمنوا يترفقون لهم في مدة هذا القول والضرب : { ألم نكن } أي بكليتنا { معكم } أي فيما كنتم فيه من الدين فنستحق المشاركة فيما صرتم إليه بسبب ذلك الدين{[62474]} الذي كنا معكم فيه { قالوا } أي الذين آمنوا { بلى } قد كنتم معنا { ولكنكم فتنتم } أي كنتم بما كان لكم من الذبذبة تختبرون { أنفسكم } فتخالطونها{[62475]} باختبار أحوال الدين{[62476]} مخالطة محيلة لها مميلة عما كانت عليه من أصل الفطرة من الاستقامة ، تريدون بذلك أن تظهر لكم فيه أمور محسوسة لتخلصوا فيه من الشكوك فتخلصوا ، فما آمنتم بالغيب فأهلكتموها{[62477]} وتبعتم أيضاً الأمور التي كنتم تفتنون بها من{[62478]} الشهوات ، فأوجبتم لكم الإعراض عن المعالي الباطنات { وتربصتم } أي كلفتم أنفسكم أن أخرجتموها عن الفطرة الأولى فأمهلتم وانتظرتم لتروا الأمر عياناً أو لم تفعلوا كما فعلنا من الإيمان بالغيب وترك التجربة ونسبة ما يحصل لنا مما فيه فتنة إلى أنفسنا بتقصيرنا ، وكنا كلما حصل لنا ما يزلزل نقول : هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ولا يزيدنا ذلك إلاّ إيماناً وتسليماً وانتظرتم أيضاً الدوائر بأهل الإيمان لتظهروا النفاق { وارتبتم } أي شككتم بتكليف أنفسكم الشك بذلك التربص { وغرتكم الأماني } أي ما تتمنون أي تريدون وتقدرون من الإرادات التي معها شهوة عظيمة من الأطماع الفارغة التي لا سبب لها غير شهوة النفس إياها بما كنتم تتوقعون لنا من دوائر السوء { حتى جاء أمر الله } أي قضاء الملك المتصف بجميع صفات الكمال فلا كفوء له ولا خلف لقوله من الموت ومقدمات من الأمور الدهشة ، فكما كنتم في الدنيا مقصرين كنتم في هذا الموطن { وغركم بالله } أي الملك الذي له جميع العظمة ، فهو بحيث لا يخلف الميعاد وهو الولي الودود { الغرور } أي من لا{[62479]} صنع له إلا الكذب وهو الشيطان وهو العدو الحسود ، فإنه ينوع لكم بغروره التسويف ويقول : إن الله غفور رحيم و{[62480]}عفو كريم ، وماذا عسى أن تكون ذنوبكم عنه وهو عظيم ومحسن وحليم ونحو هذا ، فلا يزال حتى يوقع الإنسان ، فإذا أوقع واصل عليه مثل ذلك حتى يتمادى ، فإذا تمادى صار الباعث له حينئذ من قبل نفسه فصار طوع يده .


[62474]:زيد من ظ.
[62475]:- من ظ، وفي الأصل: فتخالطو بهم.
[62476]:- من ظ، وفي الأصل: الدنيا.
[62477]:- من ظ، وفي الأصل: فانهكتموها.
[62478]:- زيد من ظ.
[62479]:- زيد من ظ.
[62480]:-زيد من ظ.
 
التفسير الميسر لمجموعة من العلماء - التفسير الميسر [إخفاء]  
{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (14)

{ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمْ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ( 14 ) }

ينادي المنافقون المؤمنين قائلين : ألم نكن معكم في الدنيا ، نؤدي شعائر الدين مثلكم ؟ قال المؤمنون لهم : بلى قد كنتم معنا في الظاهر ، ولكنكم أهلكتم أنفسكم بالنفاق والمعاصي ، وتربصتم بالنبي الموت وبالمؤمنين الدوائر ، وشككتم في البعث بعد الموت ، وخدعتكم أمانيكم الباطلة ، وبقيتم على ذلك حتى جاءكم الموت وخدعكم بالله الشيطان .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (14)

قوله : { ينادونهم ألم نكن معكم } ينادي المنافقون المؤمنين : أما كنا معكم في الدنيا رفاقا صحابا نشهد معكم الصلوات ونعمل وإياكم الواجبات { قالوا بلى } بلى قد كنتم معنا { ولكنكم فتنتم أنفسكم } أركستم أنفسكم في فتنة النفاق فهلكتم { وتربصتم } بالإسلام والمسلمين الدوائر { وارتبتم } أي شككتم في البعث وفي قيام الناس من قبورهم للحساب { وغرّتكم الأماني } أي غركم الطمع وطول الآمال والرغبة في امتداد الآجال وخدعتكم الدنيا بمتاعها وزخرفها وزينتها { حتى جاء أمر الله } يعني جاءكم الموت { وغركم بالله الغرور } غركم ، أي خدعكم ، وأطمعكم بالباطل . والغرور ، بقتح الغين ، معناه الدنيا{[4459]} والمراد به ههنا الشيطان .

والمعنى المراد للآية ، أنه قد خدعكم الشيطان ، إذ فتنكم عن دين الله وسول لكم النفاق وفعل المنكرات والمعاصي وأوهمكم بأنه لا بعث ولا حساب .


[4459]:القاموس المحيط ص 577.