فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (14)

ولما ضرب بالسور بين المؤمنين والمنافقين أخبر الله سبحانه عما قاله المنافقون إذ ذاك ، فقال : { ينادونهم أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ } أي موافقين لكم في الظاهر نصلي بصلاتكم في مساجدكم ، ونعمل بأعمال الإسلام مثلكم ، والجملة مستأنفة كأنه قيل : فماذا قال المنافقون بعد ضرب السور بينهم وبين المؤمنين ؟ فقال : { ينادونهم } ، ثم أخبر سبحانه عما أجابهم به المؤمنون فقال : { قَالُوا بلى } أي كنتم معنا في الظاهر { ولكنكم فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ } بالنفاق وإبطان الكفر . قال مجاهد : أهلكتموها بالنفاق ، وقيل : بالشهوات واللذات { وَتَرَبَّصْتُمْ } بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبمن معه من المؤمنين حوادث الدّهر ، وقيل : تربصتم بالتوبة ، والأوّل أولى { وارتبتم } أي شككتم في أمر الدين ولم تصدّقوا ما نزل من القرآن ولا بالمعجزات الظاهرة { وَغرَّتْكُمُ الأماني } الباطلة التي من جملتها ما كنتم فيه من التربص ، وقيل : هو طول الأمل ، وقيل : ما كانوا يتمنونه من ضعف المؤمنين ، وقال قتادة : الأمانيّ هنا : غرور الشيطان ، وقيل : الدنيا ، وقيل : هو طمعهم في المغفرة ، وكل هذه الأشياء تدخل في مسمى الأمانيّ { حتى جَاء أَمْرُ الله } وهو الموت ، وقيل : نصره سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم . وقال قتادة : هو إلقاؤهم في النار { وَغَرَّكُم بالله الغرور } قرأ الجمهور { الغرور } بفتح الغين ، وهو صفة على فعول ، والمراد به : الشيطان : أي خدعكم بحلم الله وإمهاله الشيطان . وقرأ أبو حيوة ومحمد بن السميفع وسماك بن حرب بضمها وهو مصدر .

/خ15