الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (14)

قوله تعالى : " ينادونهم " أي ينادي المنافقون المؤمنين " ألم نكن معكم " في الدنيا يعني نصلي مثل ما تصلون ، ونغزو مثل ما تغزون ، ونفعل مثل ، ما تفعلون " قالوا بلى " أي يقول المؤمنون " بلى " قد كنتم معنا في الظاهر " ولكنكم فتنتم أنفسكم " أي استعملتموها في الفتنة . وقال مجاهد : أهلكتموها بالنفاق . وقيل : بالمعاصي ، قاله أبو سنان . وقيل : بالشهوات واللذات ، رواه أبو نمير الهمداني .

" وتربصتم " أي " تربصتم " بالنبي صلى الله عليه وسلم الموت ، وبالمؤمنين الدوائر . وقيل : " تربصتم " بالتوبة " وارتبتم " أي شككتم في التوحيد والنبوة " وغرتكم الأماني " أي الأباطيل . وقيل : طول الأمل . وقيل : هو ما كانوا يتمنونه من ضعف المؤمنين ونزول الدوائر بهم . وقال قتادة : الأماني هنا خدع الشيطان . وقيل : الدنيا ، قال عبدالله بن عباس{[14710]} . وقال أبو سنان : هو قولهم سيغفر لنا . وقال بلال بن سعد : ذكرك حسناتك ونسيانك سيئاتك غرة .

" حتى جاء أمر الله " يعني الموت . وقيل : نصرة نبيه صلى الله عليه وسلم . وقال قتادة : إلقاؤهم في النار . " وغركم " أي خدعكم " بالله الغرور " أي الشيطان ، قاله عكرمة . وقيل : الدنيا ، قاله الضحاك . وقال بعض العلماء : إن للباقي بالماضي معتبرا ، وللآخر بالأول مزدجرا ، والسعيد من لا يغتر بالطمع ، ولا يركن إلى الخدع ، ومن ذكر المنية نسي الأمنية ، ومن أطال الأمل نسي العمل ، وغفل عن الأجل . وجاء " الغرور " على لفظ المبالغة للكثرة . وقرأ أبو حيوة ومحمد بن السميقع وسماك بن حرب " الغرور " بضم الغين يعني الأباطيل وهو مصدر . وعن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم خط لنا خطوطا ، وخط منها خطا ناحية فقال : ( أتدرون ما هذا ؟ هذا مثل ابن آدم ومثل التمني وتلك الخطوط الآمال بينما هو يتمنى إذ جاءه الموت ) . وعن ابن مسعود قال : خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا مربعا ، وخط وسطه خطا ، وجعله خارجا منه ، وخط عن يمينه ويساره خطوطا صغارا فقال : ( هذا ابن آدم وهذا أجله محيط به وهذا أمله قد جاوز أجله وهذه الخطوط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا ) .


[14710]:في ب، ز، س، ل، هـ: "عبد الله بن عياش".