فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (14)

{ ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور ( 14 ) }

{ فتنتم أنفسكم } محنتموها وأهلكتموها .

{ وتربصتم } تلبثتم وانتظرتم ؛ وترقبتم بالمؤمنين الدوائر .

{ وارتبتم } شككتم فيما جاءكم من الحق .

{ وغرتكم الأماني } خدعكم التمني بكثرة الآمال ؛ وطول الآجال .

{ الغرور } الشيطان .

وعندما يقام السور حجابا بين المؤمنين والمنافقين ينادي المنافقون المؤمنين : ألم نعاشركم في الحياة ونشارككم العبادة ؟ فيقول لهم المؤمنون : بلى كنتم معنا ، ولكن نافقتم فوقعتم في الهلاك والمحنة ، وتباطأتم في تولي أهل الإيمان ، والاستجابة لنداء القرآن ، وإنما سارعتم في موادة الضلال وعبدة الأوثان ؛ وظننتم أن لن تعلو كلمة الإسلام ؛ ولم تصدقوا وحي الله الملك العلام ؛ وعشتم على طمع{[6320]} النجاة من العقاب ، والإفلات من العذاب ، حتى باغتكم أمر الله فمتم على غير هدى ، فوقعتم في لظى جهنم ؛ وكذلك يفعل الشيطان بحزبه { . . . إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير }{[6321]} { استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون }{[6322]} .

عن قتادة : كانوا على خدعة من الشيطان ؛ والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار .

ونقل النيسابوري : { وغركم بالله } الشيطان { الغرور } فنفخ في خيشومكم أن الله غفور ، وأن باب التوبة مفتح .


[6320]:- مما أورد القرطبي: وقال بعض العلماء: إن للباقي بالماضي معتبرا، وللآخر بالأول مزدجرا والسعيد من لا يغتر بالطمع، ولا يركن إلى الخدع ومن ذكر المنية نسى الأمنية، ومن أطال الأمل نسي العمل، وغفل عن الأجل...وعن ابن عباس أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خط لنا خطوطا وخط منها خطا ناحية فقال: "أتدرون ما هذا؟ هذا مثل ابن آدم ومثل التمني وتلك الخطوط الآمال بينما هو يتمنى إذ جاءه الموت "وعن ابن مسعود قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا مربعا وخط وسطه خطا وجعله خارجا منه وخط عن يمينه ويساره خطوطا صغارا فقال: "هذا ابن آدم وهذا أجله محيط به وهذا أمله قد جاوز أجله وهذه الخطوط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا".
[6321]:- سورة فاطر. من الآية 6.
[6322]:- سورة المجادلة الآية 19.