تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (14)

الآية 14 وقوله تعالى : { ينادونهم ألم نكن معكم } أي ينادي أهل النفاق المؤمنين : { ألم نكن معكم قالوا بلى } جائز أن يكون هذا القول منهم : { ألم نكن معكم } تغرير منهم للمسلمين يومئذ كما يغرونهم في الدنيا ، وهو ما أخبر عنهم [ أنهم ]{[20617]} يكذبون في الآخرة كما كانوا في الدنيا حين{[20618]} قال : { يوم يبعثهم الله جميعا فبحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون } [ المجادلة : 18 ] في حلفهم .

فعلى ذلك جائز أن يكون قولهم : { ألم نكن معكم } يخرج على تغريرهم إياهم .

ثم الإشكال والكلام قول المؤمنين : { بلى } وقد علموا أنهم لم يكونوا معهم ، فكيف { قالوا بلى } ؟

فنقول : جائز أن يكون جوابهم خرج لأولئك على ما عرفوا من خطئهم ومرادهم ، فأجابرهم على ذلك ، أو أن يكون قولهم : { بلى } أي كنتم تقولون : إنا معكم ، ولكن لم تكونوا معنا ، أو أن يخرج جوابهم على ظاهر ما يرون من أنفسهم الموافقة دون الحقيقة .

وقوله تعالى : { ولكنكم فتنتم أنفسكم } يخرج على وجوه :

أحدها : امتحنتم أنفسكم في الرجوع إلى من جعل لكم المنافع والعاقبة كقوله تعالى : { ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه } [ الحج : 11 ] أي شدة .

وقال القتبي : { فتنتم أنفسكم } أي أتيتموها .

وقوله تعالى : { وتربصتم } يخرج على وجهين :

يحتمل { وتربصتم } برسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيموت عن قريب ، أو أنه يرجع عن الإسلام إلى دين أولئك الكفرة .

وقوله تعالى : { وارتبتم } أي شككتم ، وإن قام لكم ما يدفع الارتياب والشك عنكم والشبه .

وقوله تعالى : { وغرتكم الأماني } تحتمل الأماني وجهين :

أحدهما : ما ذكرنا من اتباعهم المنافع التي كانوا يتوقعونها ، فكيف ما كانوا يتبعون غرضهم في ذلك .

والثاني : ما تمنت أنفسهم من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهلاكه أو عوده إلى دينهم .

وقوله تعالى : { حتى جاء أمر الله } أي الأمر بالهلاك أو يوم القيامة .

وقوله تعالى : { وغركم بالله الغرور } أي غركم عن دين الله الشيطان .


[20617]:ساقطة من الأصل و م.
[20618]:في الأصل و م: حيث.