فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يُنَادُونَهُمۡ أَلَمۡ نَكُن مَّعَكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُمۡ فَتَنتُمۡ أَنفُسَكُمۡ وَتَرَبَّصۡتُمۡ وَٱرۡتَبۡتُمۡ وَغَرَّتۡكُمُ ٱلۡأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمۡرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلۡغَرُورُ} (14)

ولما ضرب بالسور بين المؤمنين والمنافقين أخبر الله سبحانه عما قاله المنافقون إذ ذاك فقال :

{ ينادونهم } أي ينادي المنافقون المؤمنين من وراء ذلك السور حين حجز بينهم ، وبقوا في الظلمة ، والجملة حالية من الضمير في بينهم أو إستئناف وهو الظاهر { ألم نكن معكم ؟ } أي موافقين لكم في الظاهر ، نصلي بصلاتكم في مساجدكم ، ونعمل بأعمال الإسلام مثلكم ، ثم أخبر الله سبحانه عما أجابهم به المؤمنون فقال { قالوا بلى } أي كنتم معنا في الظاهر { ولكنكم فتنتم أنفسكم } بالنفاق وإبطان الكفر قال مجاهد : أهلكتموها بالنفاق ، وقيل : بالشهوات واللذات ، قاله ابن عباس ، وقيل : استعملتموها في الفتنة وقيل : بالمعاصي قاله أبو سنان .

{ وتربصتم } بمحمد صلى الله عليه وسلم وبمن معه من المؤمنين حوادث الدهر والدوائر وقيل : تربصتم بالتوبة ، قاله ابن عباس والأول أولى { وارتبتم } أي : شككتم في أمر الدين ، ولم تصدقوا ما أنزل الله من القرآن في التوحيد ولا بالمعجزات الظاهرة { وغرتكم الأماني } الباطلة التي من جملتها ما كنتم فيه من التربص وقيل : هي طول الأمل ، والطمع في امتداد الأعمار وقيل : ما كانوا يتمنونه من ضعف المؤمنين ، وقال قتادة : الأماني هنا غرور الشيطان وقيل : الدنيا وقيل : هو طمعهم في المغفرة وكل هذه الأشياء تدخل في مسمى الأماني .

{ حتى جاء أمر الله } وهو الموت قاله ابن عباس ، وقيل : نصره سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وقال قتادة : هو إلقاؤهم في النار { وغركم بالله الغرور } بفتح الغين وهو صفة على فعول ، والمراد به الشيطان ، قاله ابن عباس . أي خدعكم بحكم الله وإمهاله الشيطان ، وقرئ بضمها ، وهو مصدر ، وقيل . غركم بأن الله عفو كريم لا يعذبكم ، وماذا عسى أن تكون ذنوبكم عنده ؟ وهو عظيم ومحسن وحليم ، وغفور رحيم ، فلا يزال بالإنسان حتى يوقعه ، أو بأنه لا بعث ولا حساب ، قال قتادة : ما زالوا على خدعة من الشيطان حتى قذفهم الله النار .