في الآية الأولى قرر أنه ليس أبتر بل هو صاحب الكوثر . وفي هذه الآية يرد الكيد إلى كائديه ، ويؤكد - سبحانه - أن الأبتر ليس هو محمد ، إنما هم شانئوه وكارهوه .
ولقد صدق فيهم وعيد الله . فقد انقطع ذكرهم وانطوى . بينما امتد ذكر محمد وعلا . ونحن نشهد اليوم مصداق هذا القول الكريم ، في صورة باهرة واسعة المدى كما لم يشهدوه سامعوه الأولون !
إن الإيمان والحق والخير لا يمكن أن يكون أبتر . فهو ممتد الفروع عميق الجذور . وإنما الكفر والباطل والشر هو الأبتر مهما ترعرع وزها وتجبر . .
إن مقاييس الله غير مقاييس البشر . ولكن البشر ينخدعون ويغترون فيحسبون مقاييسهم هي التي تقرر حقائق الأمور ! وأمامنا هذا المثل الناطق الخالد . . فأين الذين كانوا يقولون عن محمد [ صلى الله عليه وسلم ] قولتهم اللئيمة ، وينالون بها من قلوب الجماهير ، ويحسبون حينئذ أنهم قد قضوا على محمد وقطعوا عليه الطريق ? أين هم ? وأين ذكراهم ، وأين آثارهم ? إلى جوار الكوثر من كل شيء ، ذلك الذي أوتيه من كانوا يقولون عنه : الأبتر ? !
إن الدعوة إلى الله والحق والخير لا يمكن أن تكون بتراء ولا أن يكون صاحبها أبتر ، وكيف وهي موصولة بالله الحي الباقي الأزلي الخالد ? إنما يبتر الكفر والباطل والشر ويبتر أهله ، مهما بدا في لحظة من اللحظات أنه طويل الأجل ممتد الجذور . .
شانئك : مُبغِضَك . يقال : شَنَأ يَشْنأ . شَنْئاً ، وشَنَآنا : أبغَضَ . واسمُ الفاعل شانئ . والمؤنث شانئة .
ثم بعد أن بشّره بهذا الخير الكثير ، وطالَبَه بالشّكر عليه ، زاد في البُشْرى بأنّ كلّ من يُبغِضُه ويَكيدُ له مُنْقَطِعون مَبْتُورون . وقد كانَ ذلك .
إن مُبْغِضَك يا محمد ، هو المنقطعُ عن كل خير . وقد حقق اللهُ له ذلكَ فانقطعَ ذِكر كلّ المشرِكين من العَرب وغيرِهم ، فيما بقيَ ذِكره خالداً في العالمين .
قوله تعالى : { إن شانئك هو الأبتر }
أي مبغضك ، وهو العاص بن وائل . وكانت العرب تسمي من كان له بنون وبنات ، ثم مات البنون وبقي البنات : أبتر . فيقال : إن العاص وقف مع النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه ، فقال له جمع من صناديد قريش : مع من كنت واقفا ؟ فقال : مع ذلك الأبتر . وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان من خديجة ، فأنزل الله جل شأنه : { إن شانئك هو الأبتر } أي المقطوع ذكره ، من خير الدنيا والآخرة . وذكر عكرمة عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية إذا مات ابن الرجل قالوا : بتر فلان . فلما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم خرج أبو جهل إلى أصحابه ، فقال : بتر محمد ، فأنزل الله جل ثناؤه : { إن شانئك هو الأبتر } يعني بذلك أبا جهل . وقال شمر بن عطية : هو عقبة بن أبي معيط . وقيل : إن قريشا كانوا يقولون لمن مات ذكور ولده : قد بتر فلان . فلما مات لرسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه القاسم بمكة ، وإبراهيم بالمدينة ، قالوا : بتر محمد ، فليس له من يقوم بأمره من بعده ، فنزلت هذه الآية ، قاله السدي وابن زيد . وقيل : إنه جواب لقريش حين قالوا لكعب بن الأشرف لما قدم مكة : نحن أصحاب السقاية والسدانة والحجابة واللواء ، وأنت سيد أهل المدينة ، فنحن خير أم هذا الصنيبر{[16499]} الأبيتر من قومه ؟ قال كعب : بل أنتم خير ، فنزلت في كعب : { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت{[16500]} والطاغوت } [ النساء : 51 ] الآية . ونزلت في قريش : { إن شانئك هو الأبتر } ، قاله ابن عباس أيضا وعكرمة . وقيل : إن الله عز وجل لما أوحى إلى رسوله ، ودعا قريشا إلى الإيمان ، قالوا : انبتر منا محمد ، أي خالفنا وانقطع عنا . فأخبر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أنهم هم المبتورون ، قاله أيضا عكرمة وشهر بن حوشب . قال أهل اللغة : الأبتر من الرجال : الذي لا ولد له ، ومن الدواب الذي لا ذنب له . وكل أمر انقطع من الخير أثره ، فهو أبتر . والبتر : القطع . بترت الشيء بترا : قطعته قبل الإتمام . والانبتار : الانقطاع . والباتر : السيف القاطع . والأبتر : المقطوع الذنب . تقول منه : بتر ( بالكسر ) يبتر بترا . وفي الحديث ( ما هذه البتيراء ) . وخطب زياد خطبته البتراء ؛ لأنه لم يمجد الله فيها ، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم . ابن السكيت : الأبتران : العير والعبد ، قال : سميا أبترين لقلة خيرهما . وقد أبتره الله : أي صيره أبتر . ويقال : رجل أباتر بضم الهمزة : الذي يقطع رحمه قال الشاعر :
لئيمٌ نَزَتْ في أنْفِهِ خُنْزُوَانَةٌ *** على قطع ذي القربى أَحَذُّ أُباتِرُ
والبترية : فرقة من الزيدية ، نسبوا إلى المغيرة بن سعد ، ولقبه الأبتر . وأما الصنبور فلفظ مشترك . قيل : هو النخلة تبقى منفردة ، ويدق أسفلها ويتقشر ، يقال : صنبر أسفل النخلة . وقيل : هو الرجل الفرد الذي لا ولد له ولا أخ . وقيل : هو مثعب{[16501]} الحوض خاصة ، حكاه أبو عبيد . وأنشد :
ما بينَ صُنْبُورٍ إلى الإِزَاءِ{[16502]}
والصنبور : قصبة تكون في الإداوة{[16503]} من حديد أو رصاص يشرب منها . حكى جميعه الجوهري رحمه الله . والله سبحانه وتعالى أعلم .
قوله : { إن شانئك هو الأبتر } شانئك يعني مبغضك . يقال : شنأه يشنأه شنئا وشنانا أي أبغضه بغضا . والشانئ ، المبغض{[4866]} والأبتر : الذي لا عقب له ، وكل أمر انقطع من الخير أثره{[4867]} ، وقد كانت العرب تسمي من كان له بنون وبنات ثم مات البنون وبقي البنات : أبتر . وقد ذكر في سبب نزول هذه الآية أن العاص بن وائل وقف مع النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه فقال له جمع من صناديد قريش : مع من كنت واقفا ؟ فقال : مع ذلك الأبتر . وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله صلى الله عيله وسلم وكان من خديجة ، فأنزل الله جل جلاله { إن شانئك هو الأبتر } أي إن مبغضك يا محمد هو المقطوع ذكره من خير الدنيا والآخرة .
وذكر عن ابن عباس قال : أهل الجاهلية إذا مات ابن الرجل قالوا : بتر فلان ، فلما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال : بتر محمد . فأنزل الله سبحانه { إن شانئك هو الأبتر } ، ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبتر . فهو سيد الأولين والآخرين ، وهو إمام المهتدين والمتقين . وهو الذي ملأت الآفاق نسائم ذكره العاطر ، واستحوذ اسمه وحبه على القلوب والألباب . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم معلم البشرية وهاديها إلى سواء السبيل ، وإمامها في الدنيا والآخرة ، لهو المكرم المفضال الذي حفل بذكره ملكوت السماء والأرض .
أما ذلك الشقي الأثيم المبغض- وكل من هو على شاكلته من المبغضين الحاقدين المتربصين برسول الله صلى الله عليه وسلم السوء- لهو المقطوع الأثر من الخير ، أو الذكر الحسن في الدنيا حيث اللعائن تتوالى عليه ، فهي تترا . ثم هو في الآخرة صائر إلى جهنم وبئس الورد المورود{[4868]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.