في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قُل لِّلۡمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ سَتُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ قَوۡمٍ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ تُقَٰتِلُونَهُمۡ أَوۡ يُسۡلِمُونَۖ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤۡتِكُمُ ٱللَّهُ أَجۡرًا حَسَنٗاۖ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ كَمَا تَوَلَّيۡتُم مِّن قَبۡلُ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (16)

ثم أمر الله نبيه أن يخبرهم أنهم سيبتلون بالدعوة إلى جهاد قوم أشداء ، يقاتلونهم على الإسلام ، فإذا نجحوا في هذا الابتلاء كان لهم الأجر ، وإن هم ظلوا على معصيتهم وتخلفهم فذلك هو الامتحان الأخير :

( قل للمخلفين من الأعراب : ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ، تقاتلونهم أو يسلمون ، فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا ، وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما ) .

وتختلف الأقوال كذلك في من هم القوم أولو البأس الشديد . وهل كانوا على عهد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أم على عهود خلفائه . والأقرب أن يكون ذلك في حياة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ليمحص الله إيمان هؤلاء الأعراب من حول المدينة .

والمهم أن نلحظ طريقة التربية القرآنية ، وطريقة علاج النفوس والقلوب . بالتوجيهات القرآنية ، والابتلاءات الواقعية . وهذا كله ظاهر في كشف نفوسهم لهم وللمؤمنين ، وفي توجيههم إلى الحقائق والقيم وقواعد السلوك الإيماني القويم .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{قُل لِّلۡمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ سَتُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ قَوۡمٍ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ تُقَٰتِلُونَهُمۡ أَوۡ يُسۡلِمُونَۖ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤۡتِكُمُ ٱللَّهُ أَجۡرًا حَسَنٗاۖ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ كَمَا تَوَلَّيۡتُم مِّن قَبۡلُ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (16)

أولي بأس : أصحاب قوة وشدة في القتال .

ثم بين الله تعالى لهم أن باب القتال والجهاد لا يزال مفتوحا أمامهم ، ولذلك قال للرسول الكريم : قل لهؤلاء المتخلفين عن الخروج من أهل البادية : ستُدعون إلى قتال قوم ذوي شدة وبأس في الحرب ، فعليكم أن تخيّروهم بين أمرين ، إما القتل أو الإسلام ، فإن تستجيبوا لهذه الدعوة يُعظِم الله لكم الغنيمة في الدنيا والثواب في الآخرة ، وإن تعرضوا عنها كما أعرضتم من قبل { يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُل لِّلۡمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ سَتُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ قَوۡمٍ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ تُقَٰتِلُونَهُمۡ أَوۡ يُسۡلِمُونَۖ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤۡتِكُمُ ٱللَّهُ أَجۡرًا حَسَنٗاۖ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ كَمَا تَوَلَّيۡتُم مِّن قَبۡلُ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (16)

{ 16-17 } { قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا }

لما ذكر تعالى أن المخلفين من الأعراب يتخلفون عن الجهاد في سبيله ، ويعتذرون بغير عذر ، وأنهم يطلبون الخروج معهم إذا لم يكن شوكة ولا قتال ، بل لمجرد الغنيمة ، قال تعالى ممتحنا لهم : { قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ } أي : سيدعوكم الرسول ومن ناب منابه من الخلفاء الراشدين والأئمة ، وهؤلاء القوم فارس والروم ومن نحا نحوهم وأشبههم . { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } أي : إما هذا وإما هذا ، وهذا هو الأمر الواقع ، فإنهم في حال قتالهم ومقاتلتهم لأولئك الأقوام ، إذ كانت شدتهم وبأسهم معهم ، فإنهم في تلك الحال لا يقبلون أن يبذلوا الجزية ، بل إما أن يدخلوا في الإسلام ، وإما أن يقاتلوا على ما هم عليه ، فلما أثخنهم المسلمون ، وضعفوا وذلوا ، ذهب بأسهم ، فصاروا إما أن يسلموا ، وإما أن يبذلوا الجزية ، { فَإِنْ تُطِيعُوا } الداعي لكم إلى قتال هؤلاء { يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا } وهو الأجر الذي رتبه الله ورسوله على الجهاد في سبيل الله ، { وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ } عن قتال من دعاكم الرسول إلى قتاله ، { يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } ودلت هذه الآية على فضيلة الخلفاء الراشدين ، الداعين لجهاد أهل البأس من الناس ، وأنه تجب طاعتهم في ذلك .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُل لِّلۡمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ سَتُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ قَوۡمٍ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ تُقَٰتِلُونَهُمۡ أَوۡ يُسۡلِمُونَۖ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤۡتِكُمُ ٱللَّهُ أَجۡرًا حَسَنٗاۖ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ كَمَا تَوَلَّيۡتُم مِّن قَبۡلُ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (16)

قوله تعالى : { قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد } قال ابن عباس ، ومجاهد ، وعطاء : هم أهل فارس . وقال الحسن : فارس والروم ، وقال سعيد بن جبير : هوازن وثقيف . وقال قتادة : هوازن وغطفان يوم حنين . وقال الزهري ، ومقاتل ، وجماعة : هم بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة الكذاب . قال رافع بن خديج : كنا نقرأ هذه الآية ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة ، فعلمنا أنهم هم . وقال ابن جريج : دعاهم عمر رضي الله عنه إلى قتال فارس . وقال أبو هريرة : لم يأت تأويل هذه الآية بعد . { تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسناً } أي : الجنة ، { وإن تتولوا } تعرضوا ، { كما توليتم من قبل } عام الحديبية ، { يعذبكم عذاباً أليماً } وهو النار ،

16

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{قُل لِّلۡمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ سَتُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ قَوۡمٍ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ تُقَٰتِلُونَهُمۡ أَوۡ يُسۡلِمُونَۖ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤۡتِكُمُ ٱللَّهُ أَجۡرًا حَسَنٗاۖ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ كَمَا تَوَلَّيۡتُم مِّن قَبۡلُ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (16)

فيه أربع مسائل :

الأولى- قوله تعالى : " قل للمخلفين من الأعراب " أي قل لهؤلاء الذين تخلفوا عن الحديبية . " ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد " قال ابن عباس وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وابن أبي ليلى وعطاء الخراساني : هم فارس . وقال كعب والحسن وعبد الرحمن بن أبي ليلى : الروم . وعن الحسن أيضا : فارس والروم . وقال ابن جبير : هوازن وثقيف . وقال عكرمة : هوازن . وقال قتادة : هوازن وغطفان يوم حنين . وقال الزهري ومقاتل : بنو حنيفة أهل اليمامة أصحاب مسيلمة . وقال رافع بن خديج : والله لقد كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى " ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد " فلا نعلم من هم حتى دعانا أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم . وقال أبو هريرة : لم تأت هذه الآية بعد . وظاهر الآية يرده .

الثانية- في هذه الآية دليل على صحة إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، لأن أبا بكر دعاهم إلى قتال بني حنيفة ، وعمر دعاهم إلى قتال فارس والروم . وأما قول عكرمة وقتادة إن ذلك في هوازن وغطفان يوم حنين فلا ، لأنه يمتنع أن يكون الداعي لهم الرسول عليه السلام ، لأنه قال : " لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا " {[14003]} فدل على أن المراد بالداعي غير النبي صلى الله عليه وسلم . ومعلوم أنه لم يدع هؤلاء القوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما . الزمخشري : فإن صح ذلك عن قتادة فالمعنى لن تخرجوا معي أبدا ما دمتم على ما أنتم عليه من مرض القلوب والاضطراب في الدين . أو على قول مجاهد كان الموعد أنهم لا يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا متطوعين لا نصيب لهم في المغنم . والله أعلم .

الثالثة- قوله تعالى : " تقاتلونهم أو يسلمون " هذا حكم من لا تؤخذ منهم الجزية ، وهو معطوف على " تقاتلونهم " أي يكون أحد الأمرين : إما المقاتلة وإما الإسلام ، لا ثالث لهما . وفي حرف أُبي " أو يسلموا " بمعنى حتى يسلموا ، كما تقول : كل أو تشبع ، أي حتى تشبع . قال :

فقلت له لا تبك عينُك إنما *** نحاولُ ملكاً أو نموت فَنُعْذَرَا{[14004]}

وقال الزجاج : قال " أو يسلمون " لأن المعنى أو هم يسلمون من غير قتال . وهذا في قتال المشركين لا في أهل الكتاب .

الرابعة- قوله تعالى : " فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا " الغنيمة والنصر في الدنيا ، والجنة في الآخرة . " وإن تتولوا كما توليتم من قبل " عام الحديبية . " يعذبكم عذابا أليما " وهو عذاب النار .


[14003]:آية 83 سورة التوبة.
[14004]:البيت لامرئ القيس.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{قُل لِّلۡمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ سَتُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ قَوۡمٍ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ تُقَٰتِلُونَهُمۡ أَوۡ يُسۡلِمُونَۖ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤۡتِكُمُ ٱللَّهُ أَجۡرًا حَسَنٗاۖ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ كَمَا تَوَلَّيۡتُم مِّن قَبۡلُ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (16)

قوله تعالى : { قل للمخلّفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولى بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما 16 ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما } .

يبين الله في آياته هذه أن المسلمين مقبلون على قتال المشركين على اختلاف أهوائهم وضلالالتهم ، وأنهم ظاهرون عليهم وعلى الناس جميعا وحينئذ يكون لهم النصر والغلبة . ويأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمخلفين المنافقين : ستدعون لقتال قوم أشداء أولي قوة وبأس . واختلفوا في المراد بهؤلاء القوم فقد قيل : المراد بهم فارس . وقيل : الروم . وقيل : فارس والروم . والأولى بالصواب أنهم المشركون أو المرتدون من نبي حنيفة وهم أهل اليمامة أصحاب مسيلمة . الذين قاتلهم أبو بكر الصديق ( رضي الله عنه ) ، وقد ذكر ذلك عن كثير من المفسرين . فهذا الصنف من الكافرين الذين لا يقبل منهم غير الإسلام أو القتال . وهو قوله : { تقاتلونهم أو يسلمون } أي يكون أحد الأمرين : إما المقاتلة أو الإسلام . ولا ثالث لهذين .

قوله : { فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا } إن تقبلوا مؤمنين صادقين لقتال هؤلاء القوم أولي البأس الشديد وتكونوا في صف المجاهدين غير مجانبين ولا مخلفين { يؤتكم الله أجرا حسنا } يجعل الله لكم في مقابلة ذلك حسن الثواب والجزاء وهي الجنة .

قوله : { وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما } إن أعرضتم عن دعوتنا لكم بالخروج معنا مؤمنين صادقين للقاء المشركين أولي البأس الشديد كما أعرضتم عام الحديبية فسوف يجازيكم الله الجزاء الأليم في الدنيا حيث الخزي لكم والإذلال ، وفي الآخرة يصليكم النار .