فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُل لِّلۡمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ سَتُدۡعَوۡنَ إِلَىٰ قَوۡمٍ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ تُقَٰتِلُونَهُمۡ أَوۡ يُسۡلِمُونَۖ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤۡتِكُمُ ٱللَّهُ أَجۡرًا حَسَنٗاۖ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ كَمَا تَوَلَّيۡتُم مِّن قَبۡلُ يُعَذِّبۡكُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا} (16)

{ قل للمخلفين من الأعراب } كرر ذكرهم بهذا الإسم مبالغة في الذم وإشعارا بشناعة التخلف أي فذمهم مرة بعد أخرى كما أشار إليه في التقرير { ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد } قال عطاء بن أبي رباح ومجاهد وابن أبي ليلى وعطاء الخرساني : هم فارس وقال كعب والحسن وابن أبي ليلى : هم الروم ، وروي عن الحسن أيضا أنه قال : هم فارس والروم وقال سعيد بن جبير : هم هوازن وثقيف ، وقال قتادة : هوازن وغطفان يوم حنين .

وقال الزهري ومقاتل : هم بنو حنيفة أهلا اليمامة أصحاب مسيلمة ، وحكى هذا القول الواحدي عن أكثر المفسرين ، وعن أبي هريرة : أنهم الأكراد وقال ابن عباس : هم فارس والروم وعنه قال : هوازن وبنو حنيفة ، يعني : أهل الردة الذين حاربهم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ، لأن مشركي العرب والمرتدين هم الذين لا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف .

وقال أبو هريرة : لم يأت تأويل هذه الآية بعد وظاهر الآية يرده ، وفي هذه الآية دليل على صحة إمامة أبي بكر الصديق وعمر رضي الله تعالى عنهما لأن أبا بكر دعاهم إلى قتال بني حنيفة وعمر دعاهم إلى قتال فارس والروم ، قال الخازن : وأقوى هذه الأقوال أنهم هوازن وثقيف ، لأن الداعي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبعدها أنهم بنو حنيفة ثم ذكر الدليل على صحة القول الأول ، وأطال فيه ولا يصح ؛ لأنه قال : { لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا } فدل على أن المراد بالداعي غير النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعلوم أنه لم يدع هؤلاء القوم بعد النبي إلا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما .

{ تقاتلونهم أو يسلمون } فلا تقاتلون أي يكون أحد الأمرين إما المقاتلة أو الإسلام ، ولا ثالث لهما ، وهذا حكم الكفار الذين لا تؤخذ منهم الجزية قال الزجاج : التقدير أو هم يسلمون ، وقرئ أو يسلموا أي حتى يسلموا { فإن تطيعوا } إلى قتالهم { يؤتكم الله أجرا حسنا } وهو الغنيمة في الدنيا ، والجنة في الآخرة { وإن تتولوا } أي : تعرضوا { كما توليتم من قبل } وذلك عام الحديبية { يعذبكم عذابا أليما } بالقتل والأسر والقهر في الدنيا ، وبعذاب النار في الآخرة لتضاعف جرمكم .