في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ} (1)

سورة قريش مكية وآيتها أربع

استجاب الله دعوة خليله إبراهيم ، وهو يتوجه إليه عقب بناء البيت وتطهيره : ( رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات ) . . فجعل هذا البيت آمنا ، وجعله عتيقا من سلطة المتسلطين وجبروت الجبارين ؛ وجعل من يأوي إليه آمنا والمخافة من حوله في كل مكان . . حتى حين انحرف الناس وأشركوا بربهم وعبدوا معه الأصنام . . لأمر يريده سبحانه بهذا البيت الحرام .

ولما توجه أصحاب الفيل لهدمه كان من أمرهم ما كان ، مما فصلته سورة الفيل . وحفظ الله للبيت أمنه ، وصان حرمته ؛ وكان من حوله كما قال الله فيهم : ( أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ? ) .

وقد كان لحادث الفيل أثر مضاعف في زيادة حرمة البيت عند العرب في جميع أنحاء الجزيرة ، وزيادة مكانة أهله وسدنته من قريش ، مما ساعدهم على أن يسيروا في الأرض آمنين ، حيثما حلوا وجدوا الكرامة والرعاية ، وشجعهم على إنشاء خطين عظيمين من خطوط التجارة - عن طريق القوافل - إلى اليمن في الجنوب ، وإلى الشام في الشمال . وإلى تنظيم رحلتين تجاريتين ضخمتين : إحداهما إلى اليمن في الشتاء ، والثانية إلى الشام في الصيف .

ومع ما كانت عليه حالة الأمن في شعاب الجزيرة من سوء ؛ وعلى ما كان شائعا من غارات السلب والنهب ، فإن حرمة البيت في أنحاء الجزيرة قد كفلت لجيرته الأمن والسلامة في هذه التجارة المغرية ، وجعلت لقريش بصفة خاصة ميزة ظاهرة ؛ وفتحت أمامها أبواب الرزق الواسع المكفول ، في أمان وسلام وطمأنينة . وألفت نفوسهم هاتين الرحلتين الآمنتين الرابحتين ، فصارتا لهم عادة وإلفا !

هذه هي المنة التي يذكرهم الله بها - بعد البعثة - كما ذكرهم منة حادث الفيل في السورة السابقة ، منة إيلافهم رحلتي الشتاء والصيف ، ومنة الرزق الذي أفاضه عليهم بهاتين الرحلتين - وبلادهم قفرة جفرة وهم طاعمون هانئون من فضل الله . ومنة أمنهم الخوف . سواء في عقر دارهم بجوار بيت الله ، أم في أسفارهم وترحالهم في رعاية حرمة البيت التي فرضها الله وحرسها من كل اعتداء .

يذكرهم بهذه المنن ليستحيوا مما هم فيه من عبادة غير الله معه ؛ وهو رب هذا البيت الذي يعيشون في جواره آمنين طاعمين ؛ ويسيرون باسمه مرعيين ويعودون سالمين . .

يقول لهم : من أجل إيلاف قريش : رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي كفل لهم الأمن فجعل نفوسهم تألف الرحلة ، وتنال من ورائها ما تنال ( فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع ) . . وكان الأصل - بحسب حالة أرضهم - أن يجوعوا ، فأطعمهم الله وأشبعهم من هذا الجوع ( وآمنهم من خوف ) . . وكان الأصل - بحسب ما هم فيه من ضعف وبحسب حالة البيئة من حولهم - أن يكونوا في خوف فآمنهم من هذا الخوف !

وهو تذكير يستجيش الحياء في النفوس . ويثير الخجل في القلوب . وما كانت قريش تجهل قيمة البيت وأثر حرمته في حياتها . وما كانت في ساعة الشدة والكربة تلجأ إلا إلى رب هذا البيت وحده . وها هو ذا عبد المطلب لا يواجه أبرهة بجيش ولا قوة . إنما يواجهه برب هذا البيت الذي يتولى حماية بيته ! لم يواجهه بصنم ولا وثن ، ولم يقل له . . إن الآلهة ستحمي بيتها . إنما قال له : " أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعه " . . ولكن انحراف الجاهلية لا يقف عند منطق ، ولا يثوب إلى حق ، ولا يرجع إلى معقول .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ} (1)

مقدمة السورة:

سورة قريش مكية ، وآياتها أربع ، نزلت بعد سورة التين . لقد كان البيت الحرام مقدسا عند جميع العرب ، وزادت حرمته بعد حادث الفيل . وكانت لقريش حرمة عند العرب ، بسبب جوارها للحرم ، مما ساعد أهلها على أن يسيروا في الأرض آمنين . . حيثما حلوا وجدوا الكرامة والرعاية . وكانت لهم رحلتان : إلى اليمن في الجنوب في الشتاء ، وإلى الشام في الشمال في الصيف . وقد كفلت جيرة البيت الحرام لقريش الأمن والسلامة في هذه التجارة الرابحة ، وجعلت لها ميزة ظاهرة ، وفتحت أمامها أبواب الرزق الواسع . وألفت نفوسهم هاتين الرحلتين الآمنتين الرابحتين . والله سبحانه وتعالى يمتن في هذه السورة على قريش ببيته الحرام الذي دفع عنهم أعداءه ، وأمّنهم الخوف ، وأطعمهم من الجوع .

لإيلافِ : إيلاف مصدرُ آلفه إيلافا . وألِفَ الشيءَ إلفا وإلافاً لزمه واعتاد عليه . قريش : القبيلة التي ينتسب إليها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .

من أجل إيلاف قريشٍ الرحلةَ إلى اليَمَنِ في الشتاء ، وإلى الشام في الصيف ، وبكلّ أمانٍ واطمئنان سَمحَ به فضلُ الله عليهم تكريماً لبَيته الحرام ، وكونهم جيرانَه . .

قراءات :

قرأ ابن عامر ( لئلاف قريش ) بدون ياءٍ . والباقون : لإيلاف بالياء بعد الهمزة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة لإيلاف قريش ، وهي مكية .

{ 1 - 4 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ }

قال كثير من المفسرين : إن الجار والمجرور متعلق بالسورة التي قبلها ، أي : فعلنا ما فعلنا بأصحاب الفيل لأجل قريش وأمنهم ، واستقامة مصالحهم .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ} (1)

{ لإيلاف قريش } قيل : هذه اللام تتصل بما قبلها على معنى أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش وتألف رحلتيها . وقيل : معنى اللام التأخير على معنى { فليعبدوا رب هذا البيت } { لإيلاف قريش } أي ليجعلوا عبادتهم شكرا لهذه النعم ، واعترافا بها . يقال : ألف الشيء وآلفه بمعنى واحد ، والمعنى لإلف قريش رحلتيها ، وذلك أنه كانت لهم رحلتان : رحلة في الشتاء إلى اليمن ، ورحلة في الصيف إلى الشام ، وبهما كانت تقوم معايشهم وتجاراتهم ، وكان لا يتعرض لهم في تجارتهم أحد . يقول : هم سكان حرم الله ، وولاة بيته ، فمن الله عليهم بذلك .