ويمضي في وصف الذين كفروا . وصف نفوسهم من الداخل . بعد تسجيل صفتهم وعملهم الظاهر :
( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ) . .
حمية لا لعقيدة ولا لمنهج . إنما هي حمية الكبر والفخر والبطر والتعنت . الحمية التي جعلتهم يقفون في وجه رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] ومن معه ، يمنعونهم من المسجد الحرام ، ويحبسون الهدي الذي ساقوه ، أن يبلغ محله الذي ينحر فيه . مخالفين بذلك عن كل عرف وعن كل عقيدة . كي لا تقول العرب ، إنه دخلها عليهم عنوة . ففي سبيل هذه النعرة الجاهلية يرتكبون هذه الكبيرة الكريهة في كل عرف ودين ؛ وينتهكون حرمة البيت الحرام الذي يعيشون على حساب قداسته ؛ وينتهكون حرمة الأشهر الحرم التي لم تنتهك في جاهلية ولا إسلام ! وهي الحمية التي بدت في تجبيههم لكل من أشار عليهم - أول الأمر - بخطة مسالمة ، وعاب عليهم صد محمد ومن معه عن بيت الله الحرام . وهي كذلك التي تبدت في رد سهيل بن عمرو لاسم الرحمن الرحيم ، ولصفة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] في أثناء الكتابة . وهي كلها تنبع من تلك الجاهلية المتعجرفة المتعنتة بغير حق .
وقد جعل الله الحمية في نفوسهم على هذا النحو الجاهلي ، لما يعلمه في نفوسهم من جفوة عن الحق والخضوع له . فأما المؤمنون فحماهم من هذه الحمية . وأحل محلها السكينة ، والتقوى :
( فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين . وألزمهم كلمة التقوى . وكانوا أحق بها وأهلها ) . .
والسكينة الوقورة الهادئة ، كالتقوى المتحرجة المتواضعة كلتاهما تليق بالقلب المؤمن الموصول بربه ، الساكن بهذه الصلة . المطمئن بما فيه من ثقة . المراقب لربه في كل خالجة وكل حركة ، فلا يتبطر ولا يطغى ؛ ولا يغضب لذاته ، إنما يغضب لربه ودينه . فإذا أمر أن يسكن ويهدأ خشع وأطاع . في رضى وطمأنينة .
ومن ثم كان المؤمنون أحق بكلمة التقوى ، وكانوا أهلها . وهذا ثناء آخر من ربهم عليهم . إلى جانب الامتنان عليهم بما أنزل على قلوبهم من سكينة ، وما أودع فيها من تقوى . فهم قد استحقوها في ميزان الله ، وبشهادته ؛ وهو تكريم بعد تكريم ، صادر عن علم وتقدير :
الحمية : الأنَفَة ، والعصبيّة . وحمية الجاهلية : حمية في غير موضعها لا يؤيدها دليل ولا برهان .
كلمة التقوى : هي لا اله إلا الله ، والسير على هدى الإسلام .
فهؤلاء قد جعلوا في قلوبهم أنَفَة الجاهلية ، لذا أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ، وألزمهم كلمة التقوى ( يعني العملَ بالتقوى ) وضبْط النفس ، فقبلوا الصلح في الحديبية على الرغم من كبرياء المشركين وحَمِيّتهم وعتوّهم .
{ إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية } حين صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت { فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين } أي الوقار حين صالحوهم ولم تأخذهم من الحمية ما أخذهم فيلجوا ويقاتلوا { وألزمهم كلمة التقوى } توحيد الله والإيمان به وبرسوله لا إله إلا الله محمد رسول الله وقيل يعني بسم الله الرحمن الرحيم أبى المشركون أن يقبلوا هذا لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكتب كتاب الصلح بينهم وقالوا اكتب باسمك اللهم فقال الله تعالى { وكانوا أحق بها وأهلها } أي المؤمنون لأن الله اختارهم للإيمان وكانوا أحق بكلمة التقوى من غيرهم
{ إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية } يعني : أنفة الكفر وهي منعهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين عن العمرة ومنعهم من أن يكتب في كتاب الصلح بسم الله الرحمن الرحيم ومنعهم من أن يكتب محمد رسول الله وقولهم لو نعلم أنك رسول الله لاتبعناك ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك والعامل في إذ جعل محذوف تقديره اذكر أو قوله : { لعذبنا } و{ السكينة } هي سكون المسلمين ووقارهم حين جرى ذلك .
{ وألزمهم كلمة التقوى } قال الجمهور : هي لا إله إلا الله وقد روي : ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل : لا إله إلا الله محمد رسول الله وقيل : لا إله إلا الله والله أكبر ، وهذه كلها متقاربة وقيل : هي بسم الله الرحمن الرحيم التي أبى الكفار أن تكتب .
{ وكانوا أحق بها وأهلها } أي : كانوا كذلك في علم الله وسابق قضائه لهم وقيل : أحق بها من اليهود والنصارى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.