( واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف - وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه - ألا تعبدوا إلا الله . إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) . .
وأخو عاد هو هود - عليه السلام - يذكره القرآن هنا بصفته . صفة الأخوة لقومه . ليصور صلة الود بينه وبينهم ، وصلة القرابة التي كانت كفيلة بأن تعطفهم إلى دعوته ، وتحسن ظنهم بها وبه . وهي ذات الصلة بين محمد [ صلى الله عليه وسلم ] وقومه الذين يقفون منه موقف الملاحاة والخصومة .
والأحقاف جمع حقف . وهو الكثيب المرتفع من الرمال . وقد كانت منازل عاد على المرتفعات المتفرقة في جنوب الجزيرة - يقال في حضرموت .
والله - سبحانه - يوجه نبيه [ صلى الله عليه وسلم ] أن يذكر أخا عاد وإنذاره لقومه بالأحقاف . يذكره ليتأسى بأخ له من الرسل لقي مثلما يلقى من إعراض قومه وهو أخوهم . ويذكره ليذكر المشركين في مكة بمصير الغابرين من زملائهم وأمثالهم ، على مقربة منهم ومن حولهم .
وقد أنذر أخو عاد قومه ، ولم يكن أول نذير لقومه . فقد سبقته الرسل إلى أقوامهم . .
( وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ) . .
قريبا منه وبعيدا عنه في الزمان وفي المكان . فالنذارة متصلة ، وسلسلة الرسالة ممتدة . والأمر ليس بدعا ولا غريبا . فهو معهود مألوف .
أنذرهم - ما أنذر به كل رسول قومه - : ( ألا تعبدوا إلا الله . إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ) . . وعبادة الله وحده عقيدة في الضمير ومنهج في الحياة ؛ والمخالفة عنها تنتهي إلى العذاب العظيم في الدنيا أو في الآخرة ، أو فيهما على السواء . والإشارة إلى اليوم ( عذاب يوم عظيم ) . . تعني حين تطلق يوم القيامة وهو أشد وأعظم .
فماذا كان جواب قومه على التوجيه إلى الله ، والإنذار بعذابه ?
أخا عاد : هو هود عليه السلام .
الأحقاف : جمع حِقف بكسر الحاء ، رمال معوجة مستطيلة ، وهي بلاد بين عُمان وحضرموت كما تقدم في الكلام على مقدمة السورة .
النذُر : جمع نذير ، وهو المنذر .
اذكر أيها الرسول ، لقومك المكذِّبين هوداً ، أخا قوم عادٍ ، الذي حذّر قومه الذين كانوا يسكنون الأحقاف . وقد مضت الرسُل قبله وبعدَه بمثل ما أنذَر به قومه ، إذ قال لهم : لا تعبدوا إلا الله وحده ، { إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } .
قوله تعالى : " واذكر أخا عاد " هو هود بن عبد الله بن رباح عليه السلام ، كان أخاهم في النسب لا في الدين . " إذ أنذر قومه بالأحقاف " أي اذكر لهؤلاء المشركين قصة عاد ليعتبروا بها . وقيل : أمره بأن يتذكر في نفسه قصة هود ليقتدي به ، ويهون عليه تكذيب قومه له . والأحقاف : ديار عاد . وهي الرمال العظام ، في قول الخليل وغيره . وكانوا قهروا أهل الأرض بفضل قوتهم . والأحقاف جمع حقف ، وهو ما استطال من الرمل العظيم واعوَجَّ ولم يبلغ أن يكون جبلا ، والجمع حقاف وأحقاف وحقوف . واحقوقف الرمل والهلال أي اعوج . وقيل : الحقف جمع حقاف . والأحقاف جمع الجمع . ويقال : حِقف أحقف . قال الأعشى :
بات إلى أرطاة حِقف أحقفا{[13856]}
أي رمل مستطيل مشرف . والفعل منه احقوقف . قال العجاج :
طيّ الليالي زُلَفًا فزلفا *** سَمَاوَةَ الهلال حتى احقوقفا
أي انحنى واستدار . وقال امرؤ القيس :
كحِقف النقا{[13857]} يمشي الوليدَان فوقه *** بما احتسبا من لِين مَسٍّ وتَسْهَالِ
وفيما أريد بالأحقاف ها هنا مختلف فيه . فقال ابن زيد : هي رمال مشرفة مستطيلة كهيئة الجبال ، ولم تبلغ أن تكون جبالا ، وشاهده ما ذكرناه . وقال قتادة : هي جبال مشرفة بالشحر ، والشحر قريب من عدن ، يقال : شِحْر عمان وشَحْر عمان ، وهو ساحل البحر بين عمان وعدن . وعنه أيضا : ذكر لنا أن عادا كانوا أحياء باليمن ، أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها : الشحر . وقال مجاهد : هي أرض من حِسْمَى تسمى بالأحقاف . وحِسمى ( بكسر الحاء ) اسم أرض بالبادية فيها جبال شواهق ملس الجوانب لا يكاد القتام يفارقها . قال النابغة :
فأصبح عاقلا بجبال حِسْمَى *** دُقَاقَ التَّرب مُحْتَزَمَ القَتَامِ{[13858]}
قاله الجوهري . وقال ابن عباس والضحاك : الأحقاف جبل بالشام . وعن ابن عباس أيضا : واد بين عمان ومهرة . وقال مقاتل : كانت منازل عاد باليمن في حضر موت بواد يقال له مهرة ، وإليه تنسب الإبل{[13859]} المهرية ، فيقال : إبل مهرية ومهاري . وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع فإذا هاج{[13860]} العود رجعوا إلى منازلهم ، وكانوا من قبيلة إرم . وقال الكلبي : أحقاف الجبل ما نضب عنه الماء زمان الغرف ، كان ينضب الماء من الأرض ويبقى أثره . وروى الطفيل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : خير واديين في الناس واد بمكة وواد نزل به آدم بأرض الهند . وشر واديين في الناس واد بالأحقاف وواد بحضر موت يدعى برهوت تلقى فيه أرواح الكفار . وخير بئر في الناس بئر زمزم . وشر بئر في الناس بئر برهوت ، وهو في ذلك الوادي الذي بحضر موت . " وقد خلت النذر " أي مضت الرسل . " من بين يديه " أي من قبل هود . " ومن خلفه " أي ومن بعده ، قال الفراء . وفي قراءة ابن مسعود " من بين يديه ومن بعده " . " ألا تعبدوا إلا الله " هذا من قول المرسل ، فهو كلام معترض . ثم قال هود : " إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " وقيل : " ألا تعبدوا إلا الله " من كلام هود ، والله أعلم .
{ واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم }
{ واذكر أخا عادِ } هو هود عليه السلام { إذ } الخ بدل اشتمال { أنذر قومه } خوَّفهم { بالأحقاف } وادِ باليمن به منازلهم { وقد خلت النذر } مضت الرسل { من بين يديه ومن خلفه } أي من قبل هود ومن بعده إلى أقوامهم { أن } ، أي بأن قال { لا تعبدوا إلا الله } وجملة وقد خلت معترضة { إني أخاف عليكم } إن عبدتم غير الله { عذاب يوم عظيم } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.