في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ} (29)

ومن حقيقة البقاء الدائم وراء الخلق الفاني ، تنبثق حقيقة أخرى . . فكل أبناء الفناء إنما يتجهون في كل ما يقوم بوجودهم إلى الواحد الأحد الفرد الصمد الحي القيوم :

( يسأله من في السماوات والأرض ، كل يوم هو في شأن . فبأي آلاء ربكما تكذبان ? ) .

يسأله من في السماوات والأرض ، فهو مناط السؤال ؛ وغيره لا يسأل لأنه فان لا يتعلق به سؤال . . يسألونه وهو وحده الذي يستجيب ، وقاصده وحده هو الذي لا يخيب . وما يتجه أحد إلى سواه إلا حين يضل عن مناط السؤال ومعقد الرجاء ومظنة الجواب . وماذا يملك الفاني للفاني وماذا يملك المحتاج للمحتاج ?

وهو - سبحانه - كل يوم هو في شأن . وهذا الوجود الذي لا تعرف له حدود ، كله منوط بقدره ، متعلق بمشيئته ، وهو قائم بتدبيره . هذا التدبير الذي يتناول الوجود كله جملة ؛ ويتناول كل فرد فيه على حدة ؛ ويتناول كل عضو وكل خلية وكل ذرة . ويعطي كل شيء خلقه ، كما يعطيه وظيفته ، ثم يلحظه وهو يؤدي وظيفته .

هذا التدبير الذي يتبع ما ينبت وما يسقط من ورقة ، وما يكمن من حبة في ظلمات الأرض ، وكل رطب وكل يابس . يتبع الأسماك في بحارها ، والديدان في مساربها ، والحشرات في مخابئها . والوحوش في أوكارها ، والطيور في أعشاشها . وكل بيضة وكل فرخ . وكل جناح . وكل ريشة . وكل خلية في جسم حي .

وصاحب التدبير لا يشغله شأن عن شأن ، ولا يند عن علمه ظاهر ولا خاف . .

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ} (29)

قوله جل ذكره : { يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } .

أهلُ السماواتِ يسألون أبداً المغفرة ، وأهل الأرض يسألونه الرزق والمغفرَة ، أي لا بُدَّ لأحدٍ منه ( سبحانه ) .

وفي السماوات والأرض مَنْ لا يسأله : وهم مَنْ قيل فيهم : " مَنْ شَغَلَه ذِكْري عن مسألتي أعطيته أفضلَ ما أُعطي السائلين " .

ويقال : ليس كلُّ مَنْ في السماواتِ والأرض يسألونه مِمَّا في السماوات والأرض ولكن :

بين المحبين سِرُّ ليس يُغْشيه *** قَوْلٌ ولا قَلَمٌ للخَلْق يحكيه

{ كُلَّ يَومٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } مِنْ إحياء وإماتة ، وقبض قوم وبَسْطِ قومٍ . . . وغير ذلك من فنون أقسام المخلوقات ، وما يُجْريه عليها من اختلاف الصفات .

وفي الآية ردُّ على اليهود حيث قالوا : إنَّ اللَّهَ يستريح يومَ السبت لا يفعل شيئاً ، فأخبر أنه كل يوم هو في شأن ، ولو أُخْلِيَ العالَم لحظةً من حِفْظِه لتلاشى وبَطُلَ .

( ومن شأنه أن يغفرَ ذنباً ، ويَسْتُرَ عيباً ، ويُذْهِبَ كرباً ) ، ويُطَيِّبُ قلباً ، ويُقْصِي عَبْداً ويُدْنِي عبداً . . . إلى غير ذلك من فنون الأفعال . وله مع عباده كلَّ ساعَةٍ بِرٌّ جديدٌ ، وسِرٌّ بينه وبين عبده - عن البقاء - بعيد .

ويقال : كل يوم هو في شأنِ سَوْقِ المقادير إلى أوقاتها .

ويقال : كل يوم هو في شأنِ إظهارِ مستورٍ وسَتْرِ ظاهرٍ ، وإحضارِ غائبٍ وتغييبِ حاضرٍ .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ} (29)

وكل من في السموات والأرض مفتقِر إليه تعالى ، محتاجٌ إلى رحمته ونواله ولذلك يقول :

{ يَسْأَلُهُ مَن فِي السماوات والأرض كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } .

فهو يحيي ويميت ، ويعزّ ويذلّ ، ويعطي ويمنع ، ويغفر ويعاقب . قال عبد الله بن حنيف : تلا علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فقلنا : يا رسول الله ، وما ذلك الشأن ؟ قال : أن يغفر ذنبا ، ويفرّج كربا ، ويرفع قوما ويضع آخرين .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{يَسۡـَٔلُهُۥ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ كُلَّ يَوۡمٍ هُوَ فِي شَأۡنٖ} (29)

{ يسئله من في السماوات والأرض السموات والأرض } قاطبة ما يحتاجون إليه في ذواتهم حدوثاً وبقاءاً وفي سائر أحوالهم سؤالاً مستمراً بلسان المقال أو بلسان الحال فإنهم كافة من حيث حقائقهم الممكنة بمعزل من استحقاق الوجود وما يتفرع عليه من الكمالات بالمرة بحيث لو انقطع ما بينهم وبين العناية الإلهية من العلاقة لم يشموا رائحة الوجود أصلاً فهم في كل آن سائلون .

وأخرج عبد بن حميد . وابن المنذر عن أبي صالح { يَسْأَلُهُ مَن فِي السموات } الرحمة ، ومن في «الأرض » المغفرة والرزق ، وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج { يَسْأَلُهُ } الملائكة عليهم السلام الرزق لأهل الأرض والمغفرة . وأهل الأرض يسألونهما جميعاً وما تقدم أولى . ولا دليل على التخصيص .

والظاهر أن الجملة استئناف . وقيل : هي حال من الوجه والعامل فيها { يبقى } [ الرحمن : 27 ] أي هو سبحانه دائم في هذه الحال ، ولا يخفى حاله على ذي تمييز { والارض كُلَّ يَوْمٍ } كل وقت من الأوقات ولحظة من اللحظات .

{ هُوَ فِى شَأْنٍ } من الشؤون التي من جملتها إعطاء ما سألوا فإنه تعالى لا يزال ينشىء أشخاصاً ، ويفنى آخرين ويأتي بأحوال ويذهب بأحوال حسبما تقتضيه مشيئته عز وجل المبنية على الحكم البالغة ، وأخرج البخاري في «تاريخه » . وابن ماجه . وابن حبان . وجماعة عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية : " من شأنه أن يغفر ذنباً ويفرج كرباً ويرفع قوماً ويضع آخرين " زاد البزار " *ويجيب داعياً " وقيل : إن لله تعالى في كل يوم ثلاث عساكر . عسكر من الاصلاب إلى الأرحام . وعسكر من الأرحام إلى الدنيا . وعسكر من الدنيا إلى القبور ، والظاهر أن المراد بيان كثرة شؤونه تعالى في الدنيا فكل يوم على معنى كل وقت من أوقات الدنيا .

وقال ابن عيينة : الدهر عند الله تعالى يومان ، أحدهما : اليوم الذي هو مدة الدنيا فشأنه فيه الأمر والنهي والإماتة والإحياء . وثانيهما : اليوم الذي هو يوم القيامة فشأنه سبحانه فيه الجزاء والحساب ، وعن مقاتل إن الآية نزلت في اليهود قالوا : إن الله تعالى لا يقضي يوم السبت شيئاً فرد عز وجل عليهم بذلك ، وسأل عبد الله بن طاهر الحسين بن الفضل عن الجمع بين هذه الآية وما صح من أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة فقال : شؤون يبديها لا شؤون يبتديها ، وانتصب { كُلَّ يَوْمٍ } على الظرف ، والعامل فيه هو العامل في قوله تعلى : { فِى شَأْنٍ } ، و { هُوَ } ثابت المحذوف : فكأنه قيل هو ثابت في شأن كل يوم .

هذا ومن باب الإشارة : واستدل الشيخ الأكبر محيي الدين قدس سره بقوله سبحانه : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ } [ الرحمن : 29 ] على شرف التلون ، وكذا استدل به على عدم بقاء الجوهر آنين ، وعلى هذا الطرز ما قيل في الآيات بعد