في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَزَـٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

36

ويؤكد هذه القاعدة بوصفها قاعدة عامة في الحياة :

( وجزاء سيئة سيئة مثلها ) . .

فهذا هو الأصل في الجزاء . مقابلة السيئة بالسيئة ، كي لا يتبجح الشر ويطغى ، حين لا يجد رادعاً يكفه عن الإفساد في الأرض فيمضي وهو آمن مطمئن !

ذلك مع استحباب العفو ابتغاء أجر الله وإصلاح النفس من الغيظ ، وإصلاح الجماعة من الأحقاد . وهو استثناء من تلك القاعدة . والعفو لا يكون إلا مع المقدرة على جزاء السيئة بالسيئة . فهنا يكون للعفو وزنه ووقعه في إصلاح المعتدي والمسامح سواء . فالمعتدي حين يشعر بأن العفو جاء سماحة ولم يجيء ضعفا يخجل ويستحيي ، ويحس بأن خصمه الذي عفا هو الأعلى . والقوي الذي يعفو تصفو نفسه وتعلو . فالعفو عندئذ خير لهذا وهذا . ولا كذلك عند الضعف والعجز . وما يجوز أن يذكر العفو عند العجز . فليس له ثمة وجود . وهو شر يطمع المعتدي ويذل المعتدى عليه ، وينشر في الأرض الفساد !

( إنه لا يحب الظالمين ) . .

وهذا توكيد للقاعدة الأولى : ( وجزاء سيئة سيئة مثلها )من ناحية . وإيحاء بالوقوف عند رد المساءة أو العفو عنها . وعدم تجاوز الحد في الاعتداء ، من ناحية أخرى .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَجَزَـٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

36

المفردات :

سيئة : الخطيئة والذنب .

سيئة مثلها : سميت مقابلة السيئة سيئة ؛ لمشابهتها لها في الصورة .

عفا : صفح عمن أساء إليه .

فأجره على الله : فثوابه على الله .

لا يحب الظالمين : يكره ويبغض المعتدين .

التفسير :

40- { وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين } .

هذا هو الحكم الشرعي ، عقوبة السيئ بما شرعه الله من عقوبة مماثلة لجرمه ، وسمى الجزاء سيئة لأنها تسوء من تنزل به ، أو مماثلة لما قبلها ، وهذا القصاص عدل .

قال تعالى : { والجروح قصاص . . . } ( المائدة : 45 ) . وقال سبحانه : { ولكم في القصاص حياة . . . } ( البقرة : 179 ) .

وقال سبحانه : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم . . . } ( البقرة : 194 ) .

وقال سبحانه : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } . ( النحل : 126 ) .

ومن ذلك ترى وسطية القرآن ، وحسن تشريعه ، فقد شرع العقوبة ردعا للفساق والمتجبرين والمستهترين ، ثم شرع العفو والصفح للنادمين والمخطئين الذي تابوا من خطئهم ، فقال سبحانه : { فمن عفا وأصلح فأجره على الله . . . } أي : من عفا عمن أساء إليه وأصلح ما بينه وبين المسيء أو المعتدي فقد أحسن في الدنيا ، وثوابه عظيم عند الله يوم القيامة ، وفي الحديث الشريف : ( ما زاد الله عبدا يعفو إلا عزا )18 رواه أحمد ، ومسلم ، والترمذي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه .

وفي الأثر : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من قبل الله تعالى : من كان أجره على الله فليقم ، فلا يقوم إلا من عفا ، فذلك قوله تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله . . . }

وقد وصف الله المتقين بقوله تعالى : { الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } . ( آل عمران : 134 ) .

{ إنه لا يحب الظالمين } .

أي : إنه تعالى لا يحب المبتدئين بالظلم ، ولا يحب من يتعدى في الاقتصاص ، ويجاوز الحد فيه ، لأن المجاوزة ظلم ، والمراد أنه تعالى يعاقب المتجاوز حده ، وهذا تأكيد لمطلع الآية في اشتراط المماثلة نوعا ومقدارا .

/خ43

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَجَزَـٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

39

سمى الجزاء سيئة ، وإن لم تكن سيئة لتشابههما في الصورة . قال مقاتل : يعني القصاص في الجراحات والدماء . قال مجاهد والسدي : هو جواب القبيح إذا قال له أحد : أخزاك الله تقول : أخزاك الله ، وإذا شتمك فاشتمه بمثلها من غير أن تعتدي . قال سفيان بن عيينة : قلت لسفيان الثوري ما قوله عز وجل : { وجزاء سيئة سيئة مثلها } قال : أن يشتمك رجل فتشتمه ، أو أن يفعل بك فتفعل به ، فلم أجد عنده شيئاً ، فسألت هشام بن حجيرة عن هذه الآية ، فقال : الجارح إذا جرح يقتص منه ، وليس هو أن يشتمك فتشتمه . ثم ذكر العفو فقال :{ فمن عفا } عمن ظلمه . { وأصلح } بالعفو بينه وبين ظالمه ، { فأجره على الله } قال الحسن : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : من كان له على الله أجر فليقم . فلا يقوم إلا من عفا ، ثم قرأ هذه الآية . { إنه لا يحب الظالمين } قال ابن عباس : الذين يبدؤون بالظلم .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَجَزَـٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

ثم بين حد الانتصار فقال { وجزاء سيئة سيئة مثلها } أي إنما يجازى السوء بمثله فيقتص من الجاني بمقدار جنايته { فمن عفا } ترك الانتقام { وأصلح } بينه وبين الظالم عليه بالعفو { فأجره على الله } أي إن الله يأجره على ذلك { إنه لا يحب الظالمين } الذين يبدؤون بالظلم

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَجَزَـٰٓؤُاْ سَيِّئَةٖ سَيِّئَةٞ مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (40)

ولما كان الإذن في الانتصار في هذا السياق المادح مرغباً فيه مع ما للنفس من الداعية إليه ، زجر عنه لمن كان له قلب أولاً بكفها عن الاسترسال فيه وردها على حد المماثلة ، وثانياً بتسميته سيئة وإن كان على طريق المشاكلة ، وثالثاً بالندب إلى العفو ، فصار المحمود منه إنما هو ما كان لإعلاء كلمة الله لا شائبة فيه للنفس أصلاً فقال : { وجزاء سيئة } أي أي سيئة كانت { سيئة مثلها } أي لا تزيد عليها في عين ولا معنى أصلاً ، وقد كفلت هذه الجمل بالدعاء إلى أمهات الفضائل الثلاث العلم والعفة والشجاعة على أحسن الوجوه ، فالمدح بالاستجابة والصلاة دعاء إلى العلم ، وبالنفقة إلى العفة ، وبالانتصار إلى الشجاعة ، حتى لا يظن ظان أن إذعانهم لما مضى مجرد ذل ، والقصر على المماثلة دعاء إلى فضيلة التقسيط بين الكل وهي العدل ، وهذه الأخيرة كافلة بالفضائل الثلاث ، فإن من علم المماثلة كان عالماً ، ومن قصد الوقوف عندها كان عفيفاً ، ومن قصر نفسه على ذلك كان شجاعاً ، وقد ظهر من المدح بالانتصار بعد المدح بالغفران أن الأول للعاجز والثاني للمتغلب المتكبر بدليل البغي .

ولما كان شرط المماثلة نادباً بعد شرع العدل الذي هو القصاص إلى العفو الذي هو الفصل لأن تحقق المثلية من العبد الملزوم للعجز لا يكاد يوجد ، سبب عنه قوله : { فمن عفا } أي بإسقاط حقه كله أو بالنقص عنه لتتحقق البراءة مما حرم من المجاوزة { وأصلح } أي أوقع الإصلاح بين الناس بالعفو والإصلاح لنفسه ليصلح الله ما بينه وبين الناس ، فيكون بذلك منتصراً من نفسه لنفسه { فأجره على الله } أي المحيط بجميع صفات الكمال فهو يعطيه على حسب ما يقتضيه مفهوم هذا الاسم الأعظم ، وهذا سر لفت الكلام إليه عن مظهر العظمة وقوله صلى الله عليه وسلم : " ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً " .

ولما كان هذا ندباً إلى العفو بعد المدح بالانتصار ، بين أن علته كراهة أن يوضع شيء في غير محله لأنه لا يعلم المماثلة في ذلك إلا الله ، فقال مضمراً إشارة إلى أن المثلية من الغيب الخفي مؤكداً لكف النفس لما لها من عظم الاسترسال في الانتصار : { إنه لا يحب الظالمين * } أي لا يكرم الواضعين للشيء في غير محله دأب من يمشي في مأخذ الاشتقاق إذا كان عريقاً في ذلك سواء كان ابتداء أو مجاوزة في الانتقام بأخذ الثأر .