في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لَّا يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِنۢ بَعۡدُ وَلَآ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ حُسۡنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ رَّقِيبٗا} (52)

49

ثم أنزل الله تحريم من عدا نسائه اللواتي في عصمته فعلا ، لا من ناحية العدد ، ولكن هن بذواتهن لا يستبدل بهن غيرهن ؛ ولم يعرف أن رسول الله قد زاد عليهن قبل التحريم :

( لا يحل لك النساء من بعد ، ولا أن تبدل بهن من أزواج - ولو أعجبك حسنهن )لا يستثني من ذلك - ( إلا ما ملكت يمينك ) . . فله منهن ما يشاء . . ( وكان الله على كل شيء رقيبا ) . . والأمر موكول إلى هذه الرقابة واستقرارها في القلوب .

وقد روت عائشة - رضي الله عنها - أن هذا التحريم قد ألغي قبل وفاة النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وتركت له حرية الزواج . ولكنه [ صلى الله عليه وسلم ] لم يتزوج كذلك غيرهن بعد هذه الإباحة . فكن هن أمهات المؤمنين . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{لَّا يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِنۢ بَعۡدُ وَلَآ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ حُسۡنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ رَّقِيبٗا} (52)

50

{ لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك وكان الله على كل شيء رقيبا } .

المفردات :

من بعد : من بعد التع اللاتي في عصمتك .

ولا أن تبدل بهن : ولا أن تستبدل بهن أزواجا ببعضهن أو بكلهن .

التفسير :

تأتي هذه الآية تكريما لنسائه التسع حيث اخترن رسول الله ورفضن زينة الدنيا فعوضهن الله أن جعلهن

أمهات المؤمنين وحرم على النبي صلى الله عليه وسلم الزواج بغيرهن كما حرم عليه تطليقهن كلهن أو تطليق بعضهن ليتزوج بدلا منهن أخريات حتى ولو أعجبه جمالهن .

لكن يحل للنبي أن يضم إليه من يشاء بملك اليمين وقد تسري بمارية القبطية بعد أن أهداها المقوقس إليه مع بغلة تسمى الدُّلدُّل وهي أول بغلة تدخل أرض الحجاز وكان الله مطلعا ورقيبا لكل ما في الكون لا تخفى عليه خافية .

وهذا التفسير للآية رأى جمهور علماء المسلمين وذهب بعض المفسرين إلى أن الله أحل للرسول صلى الله عليه وسلم أربعة أصناف من النساء ذكرن فيما سبق وهن :

1- زوجاته اللاتي دفع مهورهن .

2- ما ملكت يمينه بسبب الفيء أو الشراء أو الهبة .

3- بنات عمه وبنات عماته وبنات خاله وخالاته اللاتي هاجرن من مكة إلى المدينة .

4- من وهبت نفسها للنبي من المؤمنات .

ثم قال الله له : { لا يحل لك النساء من بعد . . . } . أي لا يحل لك الزواج من غير هذه الأصناف الأربعة المذكورة في الآية السابقة ولو أعجبك حسنهن لكن يباح لك التسري بما ملكت يمينك . قال ابن كثير : والنساء التسع اللاتي حرم الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم الزيادة عليهن والاستبدال بهن هن : عائشة بنت أبي بكر ، وحفصة بنت عمر وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، وسودة بنت زمعة ، وأم سلمة بنت أبي أمية ، وصفية بنت حيي بن أخطب وميمونة بنت الحارث وزينب بنت جحش وجويرية بنت الحارث .

/خ52

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لَّا يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِنۢ بَعۡدُ وَلَآ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ حُسۡنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ رَّقِيبٗا} (52)

ولما أمره بما يشق من تغير العوائد في أمر العدة ، ثم بما قد يشق عليه صلى الله عليه وسلم من تخصيصه بما ذكر خشية من طعن بعض من لم يرسخ إيمانه ، وختم ذلك بما يسر أزواجه ، وصل به ما يزيد سرورهن من تحريم غيرهن عليه شكراً لهن على إعراضهن عن الدنيا واختيارهن الله ورسوله فقال : { لا يحل لك النساء } ولما كان تعالى شديد العناية به{[55872]} صلى الله عليه وسلم لوّح له في آية التحريم إلى أنه ينسخه عنه ، فأثبت الجار فقال : { من بعد } أي من{[55873]} بعد من معك من هؤلاء التسع - كما قال ابن عباس رضي الله عنهما{[55874]} في رواية عنه ، شكراً من الله لهن لكونهن لما نزلت آية التخيير اخترن الله ورسوله ، فتكون الآية منسوخة بما تقدم عليها في النظم وتأخر عنها في الإنزال{[55875]} من آية { إنا أحللنا لك أزواجك } وفي رواية{[55876]} أخرى عنه من بعد { اللاتي أحللنا لك } بالصفة المتقدمة من بنات العم وما معهن ، ويؤيدها ما {[55877]}تقدمت روايته{[55878]} عن أم هانئ رضي الله عنها .

ولما كان ربما فهم أن المراد الحصر في عدد التسع ، لا بقيد المعينات ، قال : { ولا أن تبدل بهن } أي هؤلاء التسع ، وأعرق في النفي بقوله : { من } أي شيئاً من{[55879]} { أزواج } أي بأن تطلق بعض هؤلاء المعينات وتأخذ بدلها من غيرهن بعقد النكاح بحيث لا يزيد العدد على تسع ، فعلم بهذا أن الممنوع منه{[55880]} نكاح غيرهن مع طلاق واحدة منهن أولاً ، وهو يؤيد الرواية الأولى عن ابن عباس رضي الله عنهما لأن المتبدل بها لا تكون إلا معلومة العين ، والجواب عن قول أم هانئ رضي الله عنها أنه {[55881]}فهم منها{[55882]} ،

/ لا رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما عند موت واحدة منهن فلا حرج في نكاح واحدة بدلها .

ولما علم من هذا المنع من كل زوجة بأيّ{[55883]} صفة كانت ، أكد المعنى وحققه ، وصرح به في قوله حالاً من فاعل " تبدل " : { ولو أعجبك حسنهن } أي النساء المغايرات لمن معك ، وفي هذا إباحة النظر إلى من يراد نكاحها لأن النظرة الأولى لا تكاد تثبت ما عليه المرئي من حاق الوصف ؛ ولما كان لفظ النساء شاملاً للأزواج والإماء ، بين أن المراد الأزواج فقط{[55884]} بقوله : { إلا ما ملكت يمينك } أي فيحل لك منهن ما شئت ، وقد ملك {[55885]}رسول الله{[55886]} صلى الله عليه وسلم ريحانة رضي الله عنها من سبي بني قريظة ، واستمرت في ملكه مدة لا يقربها حتى أسلمت ، ثم ملك بعد عام الحديبية مارية رضي الله عنها أم ولده إبراهيم عليه السلام .

ولما تقدم{[55887]} سبحانه في هذه الآيات فأمر ونهى وحد حدوداً{[55888]} ، حذر من التهاون بشيء منها ولو بنوع تأويل فقال : { وكان الله } أي الذي لا شيء أعظم منه ، وهو المحيط بجميع صفات الكمال { على كل شيء رقيباً } أي يفعل فعل المراعي لما يتوقع منه من خلل على أقرب قرب منه بحيث لا يفوت مع رعايته فائت من أمر المرعى ، ولا يكون الرقيب إلا قريباً ، ولا أقرب من قرب{[55889]} الحق سبحانه ، فلا أرعى من رقبته ، وهو من أشد الأسماء وعيداً .


[55872]:سقط من ظ.
[55873]:سقط من ظ وم ومد.
[55874]:راجع معالم التنزيل بهامش اللباب 5/222.
[55875]:زيد في ظ: إلى.
[55876]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: آية.
[55877]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تقدم من روايتها.
[55878]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: تقدم من روايتها.
[55879]:سقط من ظ.
[55880]:زيد من ظ وم ومد.
[55881]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: وهم.
[55882]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: وهم.
[55883]:في ظ: من أي.
[55884]:زيد من ظ وم ومد.
[55885]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[55886]:سقط ما بين الرقمين من ظ ومد.
[55887]:من ظ وم ومد، وفي الأصل: قدم.
[55888]:زيدت الواو في الأصل، ولم تكن في ظ وم ومد فحذفناها.
[55889]:في ظ: قريب.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{لَّا يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِنۢ بَعۡدُ وَلَآ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنۡ أَزۡوَٰجٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكَ حُسۡنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتۡ يَمِينُكَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ رَّقِيبٗا} (52)

قوله تعالى : { لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلاَ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا }

اختلفوا في تأويل هذه الآية . فقد قيل : نزلت هذه الآية لتبين رضا الله عز وجل عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على حُسْن صنيعهن ؛ إذْ اخترن الله ورسوله والدار الآخرة فكان جزاؤهن أن حظر الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الزواج بغيرهن . وهو قول كثير من علماء السلف منهم ابن عباس .

وقيل : نسخ هذا الحظر وأبيح له التزويج ممن شاء لكنه لم يقع منه بعد ذلك أي زواج بغير نسائه . قال الإمام أحمد : عن عائشة ( رضي الله عنها ) قالت : ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل الله له النساء .

وقيل : معنى قوله : { لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ } أي من بعد ما ذكرنا لك من صفة النساء اللاتي أحللنا لك من نسائك اللاتي آتيت أجورهن ، وما ملكت يمينك ، وبنات العم والعمات والخال والخالات ، والواهبة نفسها لك . وأما ما سوى ذلك من أصناف النساء فلا يحل لك .

واختار الطبري قول من قال : معنى ذلك ، لا يحل لك النساء من بعد اللواتي أحللتهن لك بقولي : { إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ } إلى قوله :

{ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ } .

قوله : { وَلاَ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ } اختلفوا في المراد بذلك على عدة أقوال . منها : أنه لا يحل لك أن تبدَّل بالمسلمات غيرهن من الكوافر من النصارى واليهود والمشركين ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك منهن .

ومنها : أنه لا يحل لك أن تبدل بأزواجك اللواتي في عصمتك أزواجا غيرهن بأن تطلقهن وتنكح غيرهن ولو أعجبك فيهن الحسن .

ومنها : أنه لا يحل لك أن تبادل من أزواجك غيرك بأن تعطيه زوجتك وتأخذ زوجته ، وهو ما كانت تفعله العرب في جاهليتها ؛ فقد روي عن أبي هريرة قال : " كان البدل في الجاهلية ، أن يقول الرجل للرجل : بادلني امرأتك وأبادلك بامرأتي . أي تنزل لي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي فأنزل الله { وَلاَ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ } قال الإمام الطبري : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك : ولا أن تطلق فتستبدل بهن غيرهن أزواجا .

أما ما ملكت يمينه من الإماء فإنما يحل للنبي منهن المؤمنات لما في ذلك من تنزيه لقدره عليه الصلاة والسلام عن معاشرة الأمة الكافرة . ويعزز ذلك قول سبحانه : { ولا تمسكوا بعِصَمِ الكوافر } .

وقيل : يحل له من الإماء الكافرة لعموم قوله : { إلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ } وهو الأظهر .

ويستفاد من هذه الآية أيضا استحباب النظر إلى المخطوبة قبل زواجها كيلا يأخذه الندم بعد الزواج إن لم ينظر إليها ، وحرصا من الشريعة الكريمة على ترسيخ المودة بين الزوجين ؛ فقد روى أبو داود عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منا إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " وقد ذكر أن المغيرة بن شعبة أراد زواج امرأة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " انظر إليها فإنه أحب أن يؤدَمَ{[3763]} بينكما " يعني أن تكون بينكما المحبة والاتفاق .

قوله : { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا } الله حفيظ على كل شيء فلا يعزب عن جلاله علم شيء ، صغيرا أو كبيرا . سواء في ذلك ما أحله الله لكم أو حرمه عليكم . أو غير ذلك من أخبار الكون كله ، فاحذروه سبحانه{[3764]} .


[3763]:يؤدم، من الأدم، بسكون الدال: يعني الألفة والاتفاق. يقال: أدَمَ الله بينهما أي أصلح وألَّف. انظر مختار الصحاح ص 10
[3764]:تفسير الطبري ج 22 ص 24-25 وتفسير ابن كثير ج 3 ص 502 وتفسير القرطبي ج 14 ص 219-222.