( النار يعرضون عليها غدواً وعشياً . ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) .
والنص يلهم أن عرضهم على النار غدواً وعشياً ، هو في الفترة من بعد الموت إلى قيام الساعة . وقد يكون هذا هو عذاب القبر . إذ أنه يقول بعد هذا : ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب . . فهو إذن عذاب قبل يوم القيامة . وهو عذاب سيئ . عرض على النار في الصباح وفي المساء . إما للتعذيب برؤيتها وتوقع لذعها وحرها - وهو عذاب شديد - وإما لمزاولتها فعلاً . فكثيراً ما يستعمل لفظ العرض للمس والمزاولة . وهذه أدهى . . ثم إذا كان يوم القيامة أدخلوا أشد العذاب !
غدوا وعشيا : صباحا ومساء ، أو دائما في البرزخ ، والمراد به : عذاب القبر ، حيث يشاهدون مكانهم في جهنم .
46- { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } .
يعذَّب آل فرعون في قبورهم ، فتُعرض أرواحهم على جهنم في الصباح والمساء ، لتزداد حسرتهم بمنازلهم في النار ، وفي القيامة يدخلون أشد العذاب في جهنم .
وتفيد الآية عذاب القبر ونعيمه ، حين تخرج الأرواح إلى البرزخ ، وتجد من ألوان السعادة والنعيم في القبر ، حيث تعرض الروح على الجنة في الصباح والمساء ؛ لتشاهد المنزلة التي أعدت لها يوم القيامة ، أما الكفّار فإن أرواحهم تُعرض على جهنم بالغداة والعشيّ ، لترى المنزلة التي ستكون عليها الروح بعد البعث .
وقد ذكر الشيخ محمد عبده أن عذاب القبر ونعيمه أشبه بما يراه النائم حين نومه ، فقد نجد اثنين في سرير واحد ، يقوم أحدهما مذعورا كئيبا وجلا مما شاهد ، بينما نجد الثاني يقوم من نومه مستبشرا فرحا سعيدا بما شاهده من ألوان المسرة والنعيم .
أخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال له : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة " ، ثم قرأ صلى اله عليه وسلم : { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا . . . } {[623]} .
وروى ابن أبي حاتم ، والبزار في مسنده ، عن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : " ما أحسن محسن من مسلم أو كافر إلاّ أثابه الله تعالى " ، قلنا : يا رسول الله ، ما إثابة الكافر ؟ فقال : " إن كان قد وصل رحما ، أو تصدق بصدقة ، أو عمل حسنة أثابه الله تعالى المال والولد والصحة وأشباه ذلك " ، قلنا : فما إثابته في الآخرة ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " عذابا دون العذاب " وقرأ : { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } .
وقال جمهور المفسرين : هذه الآية تدل على عذاب القبر ونعيمه في الدنيا ، ألا تراه يقول عن عذاب الآخرة : { أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } .
ثم بين ذلك بقوله : { النار } أي حال كونهم { يُعرضون عليها } أي في البرزخ { غدواً وعشياً } أي غادين ورائحين في وقت استرواحهم بالأكل واستلذاذهم به - هذا دأبهم طول أيام البرزخ ، وكان عليهم في هذا العرض زيادة نكد فوق ما ورد عاماً مما روى مالك والشيخان وغيرهم عن أن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة " ولعل زيادة النكد أنهم هم المعروضون ، فيذهب بهم في الأغلال يساقون لينظروا ما أعد الله لهم ، وعامة الناس يقتصر في ذلك على أن يكشف لهم - وهو في محالّهم - عن مقاعدهم ، ففي ذلك زيادة إهانة لهم ، وهو مثل : عرض الأمير فلاناً على السيف إذا أراد قتله ، هذا دأبهم إلى أن تقوم الساعة { ويوم تقوم الساعة } يقال لهم : { ادخلوا آل } أي يا آل { فرعون } هو نفسه وأتباعه لأجل اتباعهم له فيما أضلهم به ، وجعله نافع وحمزة والكسائي ويعقوب وحفص فعل أمر من الإدخال ، فالتقدير : نقول لبعض جنودنا : أدخلوا آله لأجل ضلالهم به اليوم { أشد العذاب } وإذا كان هذا لآله لأجله كان له أعظم منه من باب الأولى ، وهذه الآية نص في عذاب القبر كما نقل عن عكرمة ومحمد بن كعب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.