الآية 46 وقوله تعالى : { وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ } { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } استدل بعض الناس على عذاب القبر بقوله : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا } وإنما تُعرض أرواحهم على النار ، فتتألم أجسادهم في القبور لذلك .
وكذلك تُعرض أرواح أهل الجنة ، فتلذّذ بتلذّذ الأرواح بعد أن أحدث فيها الحياة التي [ بها ]{[18291]} يتحقق الألم واللذة . هذا في القبور .
ثم إذا أدخلوا النار يكون لهم ما ذكر من العذاب حين{[18292]} قال : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } والله أعلم .
وجائز أن يكون ما ذكر من العرض على النار قبل القيامة قبل أن يدخلوا النار كقوله تعالى : { احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ } { مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ } { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ } [ الصافات : 22 و23 و24 ] يكون عرضهم على النار ، هو وقت وقفهم للسؤال وحبسهم لذلك . ثم يدخلون النار ، فيكون لهم العذاب الذي ذكر ، وهو قول الحسن .
ثم قوله تعالى : { غُدوًّا وعشيًّا } يحتمل قدر غدوّ وقدر عشيّ . فإن كان التأويل في عذاب القبر يحتمل ما قال بعضهم : أن يقال لهم : هذا لكم ما دامت الدنيا . ويحتمل أنه ذكره على إرادة الغُدوّ والعَشيّ حقيقة ذلك : كل وقت . لكن يتجدّد التألّم والوجع لكل قدر غدوّ وقدر عشيّ والله أعلم .
وذكر عن ابن مسعود رضي الله عنه [ أنه قال : جعلت أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود ؛ يعرضون على النار كل يوم مرتين ، يقال : يا آل فرعون هذه داركم ، قال عبد الله : فذلك عرضها فإن ثبت هذا عن ابن مسعود ]{[18293]} فهو تفسير لما ذكر من الغدوّ والعشيّ .
ثم إن ثبت هذا عنه فهو سماع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه باب لا يًدرَك بالتدبّر مع ما رُوي عن ابن عمر رضي الله عنه /478– ب/ {[18294]}[ أنه ] قال : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال{[18295]} : ( إذا مات أحدكم عُرض عليه مقعده بالغداة والعشيّ : إن كان من أهل الجنة فمن الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن النار . يقال له : هذا مقعدك حتى يُبعث إليه يوم القيامة ) [ البخاري : 3240 ] فإن ثبت هذا ، وصحّ عنه ، فهو دليل لوجوب عذاب القبر ، والله أعلم .
وجائز أن يكون قوله : { النار يعرضون عليها غدوّا وعشيّا } يعذّبون في الأوقات كلها بعد إدخالهم فيها .
وذكر الغدوّ والعشيذ يخرّج على سكون النار في أوقات ثم تلهُّبها{[18296]} ، كقوله تعالى : { كلما خبت زدناهم سعيرا } [ الإسراء : 97 ] والله أعلم .
فإن قيل : ما الحكمة في ما ذكر من إدخال آل فرعون في أشد العذاب والخصوصية لهم في ذلك من بين غيرهم من الكفرة ؟ قيل : بوجهين :
أحدهما : أن غيّر موسى من الرسل عليهم السلام قد نُسبوا إلى السحر كما نُسب إليه موسى ، لكن لم يتبيّن ، ولا تحقّق لقومهم براءة رسلهم في ما قرفهم الرؤساء والقادة منهم بالسحر والكذب بما وُجد منهم التمويه على السفلة والأتباع ، وقد تحقّق لآل فرعون براءة موسى مما قرفه فرعون بالسحر والكذب ، وتبيّن عندهم صدق ما ادّعى من الرسالة ، وذلك مما أقر به جميع سحرة فرعون أن ما جاء به موسى حق ، وما يقوله صدق ، وإيمانهم بموسى عليه السلام نهارا جهارا ، واختاروا القطع والصلب ، ولم يمتنعوا عن متابعته وما رأوا من انقلاب العصا حية تسعى ، وتلقف ما صنعوا . فيكون عنادهم أشد ومكابرتهم أكبر . لذلك استحقوا أشد العذاب ، والله أعلم .
والثاني : أن آيات موسى عليه السلام أكثرها كانت حسّية ، وآيات غيره عقلية ؛ ومعرفة ما كان سبيله الحِسّ مما لا يتمكن فيه شبهة ، وقد تتمكن الشبهة في ما كان سبيله العقل ، فيكون عنادهم أشد .
وبعد فإنهم قد اتبعوا فرعون لما ادّعى لنفسه من الألوهية بلا حجة وبرهان ، طلبوا منه ، وتركوا اتباع موسى عليه السلام بما ادّعى من الرسالة بعد ما أقام على ذلك من البينات والحجج والبراهين . فلذلك قال : جُعلت أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود ، يُعرَضون على النار كل يوم مرتين ، يقال : يا آل فرعون هذه داركم .
قال عبد الله : فذلك عرضها . فإن ثبت هذا عن ابن مسعود رضي الله عنه كان لهم أشد العذاب ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.