ثم بين سبحانه ما أجمله من سوء العذاب فقال :{ النَّارُ يُعْرَضُونَ } أي تعرض أرواحهم من حين موتهم إلى قيام الساعة { عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } أي صباحا ومساء ، فارتفاع النار على أنها بدل من سوء العذاب وقيل : على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ وخبره يعرضون والأول أولى ورجحه الزجاج ، وعلى الوجهين الأخيرين تكون الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر وقرئ بالنصب على تقدير فعل يفسره يعرضون من حيث المعنى ، أي يصلون النار يعرضون عليها أو على الاختصاص وأجاز الفراء الخفض على البدل من العذاب .
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال له : هذا مقعدك حين يبعثك الله إليه يوم القيامة ) زاد ابن مردويه ثم قرأ { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } ، وعرضهم عليها إحراقهم بها ، يقال عرض الإمام الأساري على السيف إذا قتلهم به ، أي في هذين الوقتين يعذبون بالنار ، وفيما بين ذلك إما أن يعذبوا بجنس آخر أو ينفس عنهم ، ويجوز أن يكون غدوا وعشيا عبارة عن الدوام{[1459]} .
واحتج بعض أهل العلم على إثبات عذاب القبر بهذه الآية أعاذنا الله تعالى منه بمنه وكرمه ، وبه قال مجاهد وعكرمة ومحمد بن كعب كلهم ، قال القرطبي : إن أرواحهم في جوف طير سود تغذوا على جهنم وتروح كل يوم مرتين ، فذلك عرضها انتهى . وقد حققنا ذلك في كتابنا ثمار التنكيت في شرح أبيات التثبيت ، بالفارسة فليعلم ، ثم ذهب الجمهور إلى أن هذا العرض هو في البرزخ وقيل في الآخرة . قال الفراء :
ويكون في الآية تقديم وتأخير ، أي : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ، النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ، ولا ملجئ إلى هذا التكلف فإن قوله : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ } الخ يدل دلالة واضحة على أن ذلك العرض هو في البرزخ .
{ أَدْخِلُوا } أي يقال للملائكة : أدخلوا { آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } هو عذاب النار فإنه أشد مما كانوا فيه ، وقيل : أنواع من العذاب بعضها أشد من بعض غير التي كانوا يعذبون بها منذ أغرقوا ، قرأ حمزة والكسائي ونافع وحفص : أدخلوا بقطع الهمزة وكسر الخاء ، وهو على تقدير القول كما ذكر وقرأ الباقون ادخلوا بهمزة وصل من دخل يدخل أمرا لآل فرعون بالدخول بتقدير حرف النداء أي ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب ، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما أحسن محسن مسلم أو كافر إلا أثابه الله ، قلنا يا رسول الله ما إثابة الكافر ؟ قال المال والولد والصحة وأشباه ذلك ، قلنا وما إثابته في الآخرة ؟ قال عذابا دون العذاب ، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } أخرجه البزار وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.