فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلنَّارُ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗاۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوٓاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ} (46)

ثم بين سبحانه ما أجمله من سوء العذاب فقال :{ النَّارُ يُعْرَضُونَ } أي تعرض أرواحهم من حين موتهم إلى قيام الساعة { عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } أي صباحا ومساء ، فارتفاع النار على أنها بدل من سوء العذاب وقيل : على أنها خبر مبتدأ محذوف ، أو مبتدأ وخبره يعرضون والأول أولى ورجحه الزجاج ، وعلى الوجهين الأخيرين تكون الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر وقرئ بالنصب على تقدير فعل يفسره يعرضون من حيث المعنى ، أي يصلون النار يعرضون عليها أو على الاختصاص وأجاز الفراء الخفض على البدل من العذاب .

وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال له : هذا مقعدك حين يبعثك الله إليه يوم القيامة ) زاد ابن مردويه ثم قرأ { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا } ، وعرضهم عليها إحراقهم بها ، يقال عرض الإمام الأساري على السيف إذا قتلهم به ، أي في هذين الوقتين يعذبون بالنار ، وفيما بين ذلك إما أن يعذبوا بجنس آخر أو ينفس عنهم ، ويجوز أن يكون غدوا وعشيا عبارة عن الدوام{[1459]} .

واحتج بعض أهل العلم على إثبات عذاب القبر بهذه الآية أعاذنا الله تعالى منه بمنه وكرمه ، وبه قال مجاهد وعكرمة ومحمد بن كعب كلهم ، قال القرطبي : إن أرواحهم في جوف طير سود تغذوا على جهنم وتروح كل يوم مرتين ، فذلك عرضها انتهى . وقد حققنا ذلك في كتابنا ثمار التنكيت في شرح أبيات التثبيت ، بالفارسة فليعلم ، ثم ذهب الجمهور إلى أن هذا العرض هو في البرزخ وقيل في الآخرة . قال الفراء :

ويكون في الآية تقديم وتأخير ، أي : أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ، النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ، ولا ملجئ إلى هذا التكلف فإن قوله : { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ } الخ يدل دلالة واضحة على أن ذلك العرض هو في البرزخ .

{ أَدْخِلُوا } أي يقال للملائكة : أدخلوا { آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } هو عذاب النار فإنه أشد مما كانوا فيه ، وقيل : أنواع من العذاب بعضها أشد من بعض غير التي كانوا يعذبون بها منذ أغرقوا ، قرأ حمزة والكسائي ونافع وحفص : أدخلوا بقطع الهمزة وكسر الخاء ، وهو على تقدير القول كما ذكر وقرأ الباقون ادخلوا بهمزة وصل من دخل يدخل أمرا لآل فرعون بالدخول بتقدير حرف النداء أي ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب ، عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما أحسن محسن مسلم أو كافر إلا أثابه الله ، قلنا يا رسول الله ما إثابة الكافر ؟ قال المال والولد والصحة وأشباه ذلك ، قلنا وما إثابته في الآخرة ؟ قال عذابا دون العذاب ، وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } أخرجه البزار وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان .


[1459]:البخاري 3/193/مسلم 4/2199