البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱلنَّارُ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗاۚ وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدۡخِلُوٓاْ ءَالَ فِرۡعَوۡنَ أَشَدَّ ٱلۡعَذَابِ} (46)

{ النار } بدل من { سوء العذاب } ، أو خبر مبتدأ محذوف ، كأنه قيل : ما سوء العذاب : قيل : النار ،

أو مبتدأ خبره { يعرضون } ، ويقوي هذا الوجه قراءة من نصب ، أي تدخلون النار يعرضون عليها .

وقال الزمخشري : ويجوز أن ينصب على الاختصاص .

والظاهر أن عرضهم على النار مخصوص بهذين الوقتين ، ويجوز أن يراد بذكر الطرفين الدوام في الدنيا ، والظاهر أن العرض خلاف الإحراق .

وقال الزمخشري : عرضهم عليها : إحراقهم بها ، يقال : عرض الإمام الأسارى على السيف إذا قتلهم به .

انتهى ، والظاهر أن العرض هو في الدنيا .

وروي ذلك عن الهذيل بن شرحبيل ، وعن ابن مسعود والسدي : أن أرواحهم في جوف طيور سود ، تروح بهم وتغدوا إلى النار .

وقال رجل للأوزاعي : رأيت طيوراً بيضاً تغدوا من البحر ، ثم تروح بالعشي سوداً مثلها ، فقال الأوزاعي : تلك التي في حواصلها أرواح آل فرعون ، يحرق رياشها وتسود بالعرض على النار .

وقال محمد بن كعب وغيره : أراد أنهم يعرضون في الآخرة على تقدير ما بين الغدوّ والعشي ، إذ لا غدوّ ولا عشي في الآخرة ، وإنما ذلك على التقدير بأيام الدنيا .

وعن ابن مسعود : تعرض أرواح آل فرعون ومن كان مثلهم من الكفار على النار بالغداة والعشي ، يقال : هذه داركم .

وفي صحيح البخاري ، ومسلم ، من حديث ابن عمران ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة » واستدل مجاهد ومحمد بن كعب وعكرمة ومقاتل بقوله : { النار يعرضون عليها غدوًّا وعشياً } : أي عند موتهم على عذاب القبر في الدنيا .

والظاهر تمام الجملة عند قوله : { وعشياً } ، وأن يوم القيامة معمول لمحذوف على إضمار القول ، أي ويوم القيامة يقال لهم : ادخلوا .

وقيل : ويوم معطوف على وعشياً ، فالعامل فيه يعرضون ، وأدخلوا على إضمار الفعل .

وقيل : العامل في يوم أدخلوا .

وقرأ الأعرج ، وأبو جعفر ، وشيبة ، والأعمش ، وابن وثاب ، وطلحة ، ونافع ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص : أدخلوا ، أمراً للخزنة من أدخل .

وعليّ ، والحسن ، وقتادة ، وابن كثير ، والعربيان ، وأبو بكر : أمراً من دخل آل فرعون أشد العذاب .

قيل : وهو الهاوية .

قال الأوزاعي : بلغنا أنهم ألفا ألف وستمائة ألف .