ويؤكد هذه القاعدة بوصفها قاعدة عامة في الحياة :
فهذا هو الأصل في الجزاء . مقابلة السيئة بالسيئة ، كي لا يتبجح الشر ويطغى ، حين لا يجد رادعاً يكفه عن الإفساد في الأرض فيمضي وهو آمن مطمئن !
ذلك مع استحباب العفو ابتغاء أجر الله وإصلاح النفس من الغيظ ، وإصلاح الجماعة من الأحقاد . وهو استثناء من تلك القاعدة . والعفو لا يكون إلا مع المقدرة على جزاء السيئة بالسيئة . فهنا يكون للعفو وزنه ووقعه في إصلاح المعتدي والمسامح سواء . فالمعتدي حين يشعر بأن العفو جاء سماحة ولم يجيء ضعفا يخجل ويستحيي ، ويحس بأن خصمه الذي عفا هو الأعلى . والقوي الذي يعفو تصفو نفسه وتعلو . فالعفو عندئذ خير لهذا وهذا . ولا كذلك عند الضعف والعجز . وما يجوز أن يذكر العفو عند العجز . فليس له ثمة وجود . وهو شر يطمع المعتدي ويذل المعتدى عليه ، وينشر في الأرض الفساد !
وهذا توكيد للقاعدة الأولى : ( وجزاء سيئة سيئة مثلها )من ناحية . وإيحاء بالوقوف عند رد المساءة أو العفو عنها . وعدم تجاوز الحد في الاعتداء ، من ناحية أخرى .
سيئة مثلها : سميت مقابلة السيئة سيئة ؛ لمشابهتها لها في الصورة .
فأجره على الله : فثوابه على الله .
لا يحب الظالمين : يكره ويبغض المعتدين .
40- { وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين } .
هذا هو الحكم الشرعي ، عقوبة السيئ بما شرعه الله من عقوبة مماثلة لجرمه ، وسمى الجزاء سيئة لأنها تسوء من تنزل به ، أو مماثلة لما قبلها ، وهذا القصاص عدل .
قال تعالى : { والجروح قصاص . . . } ( المائدة : 45 ) . وقال سبحانه : { ولكم في القصاص حياة . . . } ( البقرة : 179 ) .
وقال سبحانه : { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم . . . } ( البقرة : 194 ) .
وقال سبحانه : { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } . ( النحل : 126 ) .
ومن ذلك ترى وسطية القرآن ، وحسن تشريعه ، فقد شرع العقوبة ردعا للفساق والمتجبرين والمستهترين ، ثم شرع العفو والصفح للنادمين والمخطئين الذي تابوا من خطئهم ، فقال سبحانه : { فمن عفا وأصلح فأجره على الله . . . } أي : من عفا عمن أساء إليه وأصلح ما بينه وبين المسيء أو المعتدي فقد أحسن في الدنيا ، وثوابه عظيم عند الله يوم القيامة ، وفي الحديث الشريف : ( ما زاد الله عبدا يعفو إلا عزا )18 رواه أحمد ، ومسلم ، والترمذي ، عن أبي هريرة رضي الله عنه .
وفي الأثر : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من قبل الله تعالى : من كان أجره على الله فليقم ، فلا يقوم إلا من عفا ، فذلك قوله تعالى : { وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله . . . }
وقد وصف الله المتقين بقوله تعالى : { الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين } . ( آل عمران : 134 ) .
أي : إنه تعالى لا يحب المبتدئين بالظلم ، ولا يحب من يتعدى في الاقتصاص ، ويجاوز الحد فيه ، لأن المجاوزة ظلم ، والمراد أنه تعالى يعاقب المتجاوز حده ، وهذا تأكيد لمطلع الآية في اشتراط المماثلة نوعا ومقدارا .
{ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ( 40 ) }
وجزاء سيئة المسيء عقوبته بسيئة مثلها من غير زيادة ، فمن عفا عن المسيء ، وترك عقابه ، وأصلح الودَّ بينه وبين المعفو عنه ابتغاء وجه الله ، فأَجْرُ عفوه ذلك على الله . إن الله لا يحب الظالمين الذين يبدؤون بالعدوان على الناس ، ويسيئون إليهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.