في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُواْ يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

وأمام هذه الرؤية الواضحة لآية الوحدانية المطلقة ، وآية القدرة الكاملة ، يقفهم أمام أنفسهم . في مفرق الطريق بين الكفر والشكر . وأمام التبعة الفردية المباشرة في اختيار الطريق . ويلوح لهم بنهاية الرحلة ، وما ينتظرهم هناك من حساب ، يتولاه الذي يخلقهم في ظلمات ثلاث . والذي يعلم ما تكن صدورهم من خفايا الصدور :

( إن تكفروا فإن الله غني عنكم . ولا يرضى لعباده الكفر . وإن تشكروا يرضه لكم . ولا تزر وازرة وزر أخرى . ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون . إنه عليم بذات الصدور ) . .

إن هذه الرحلة في بطون الأمهات هي مرحلة في الطريق الطويل . تليها مرحلة الحياة خارج البطون . ثم تعقبها المرحلة الأخيرة مرحلة الحساب والجزاء . بتدبير المبدع العليم الخبير .

والله - سبحانه - غني عن العباد الضعاف المهازيل . إنما هي رحمته وفضله أن يشملهم بعنايته ورعايته . وهم من هم من الضعف والهزال !

( إن تكفروا فإن الله غني عنكم ) . .

فإيمانكم لا يزيد في ملكه شيئاً . وكفركم لا ينقص منه فتيلاً . ولكنه لا يرضى عن كفر الكافرين ولا يحبه :

( ولا يرضى لعباده الكفر ) . .

( وإن تشكروا يرضه لكم ) . .

ويعجبه منكم ، ويحبه لكم ، و يجزيكم عليه خيراً .

وكل فرد مأخوذ بعمله ، محاسب على كسبه ؛ ولا يحمل أحد عبء أحد . فلكل حمله وعبؤه :

( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) . .

والمرجع في النهاية إلى الله دون سواه ؛ ولا مهرب منه ولا ملجأ عند غيره :

( ثم إلى ربِّكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون ) . .

ولا يخفى عليه من أمركم شيء :

( إنه عليم بذات الصدور ) . .

هذه هي العاقبة . وتلك هي دلائل الهدى . وهذا هو مفرق الطريق . . ولكل أن يختار . عن بينة . وعن تدبر . وبعد العلم والتفكير . .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُواْ يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

المفردات :

ولا تزر وازرة وزر أخرى : ولا تحمل نفس مذنبة ذنب نفس أخرى .

التفسير :

4- { إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور } .

إن تكفروا بالله فإن الله غني عنكم وعن عبادتكم ، ولا تضرّه معصيتكم ، ولا تنفعه طاعتكم ، ومع هذا فهو حريص على مصلحة عباده ، ولا يرضى لعباده الكفر ، رحمة بهم حتى لا يتعرضوا لغضبه وعذابه ، وإن تشركوا يرضه لكم ، وإذا آمنتم رضي عنكم .

وفي الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " يقول الله عز وجل : يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، ولو ان أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا . . . " {[585]} .

وفي القرآن الكريم : { يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد } . ( فاطر 15 ) .

{ ولا تزر وازرة وزر أخرى . . . . } .

ولا تحمل نفس ذنب نفس أخرى ، وقد كان رؤساء الكفر يقولون لأتباعهم : { اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم . . . } ( العنكبوت : 12 ) .

وقد بين القرآن أن الإنسان مسئول عن عمله ومحاسب عليه ، قال تعالى : { كل امرئ بما كسب رهين } . ( الطور : 21 ) .

وقال تعالى : { يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } . ( عبس : 34-37 ) .

فالإنسان المذنب يتحمل ذنوبه وحده ، ولا يتحمل ذنب آخر ، إلا إذا كان مسئولا عنه ، فإنه يتحمل شيئا من المسؤولية ، كالأب المنحرف الذي يغري أولاده بالانحراف ، فيتحمل الأب ذنبه ، وذنب إرشاد أولاده إلى السوء ، أو وقوعهم في الرذيلة .

قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا . . } . ( التحريم : 6 ) .

وفي النهاية سيعود الخلائق إلى ربهم فيحاسبهم ، ويخبرهم بأعمالهم ويجازيهم عليها ، فهو سبحانه مطلع على السرائر ، خبير بالسر والعلن .

{ ثم إلى ربكم مرجعكم . . . } .

أي : الموت والبعث والحشر والحساب والجزاء .

{ فينبئكم بما كنتم تعملون . . . } .

فيخبركم بأعمالكم تمهيدا للحساب والجزاء عليها .

{ إنه عليم بذات الصدور } .

إنه مطلع على ما تكنّه السرائر وما تخفيه الضمائر ، وفيه تهديد للعاصي وبشارة للطائع .


[585]:لو ان أولكم وآخركم: رواه مسلم في البر والصلة والآداب(2577)، والترمذي في صفة القيامة (2459) وأحمد (5/160)، عن أبي ذر رضي الله عنه. وأوله عند مسلم وأحمد: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ". وعند الترمذي: " يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته ". وقال: حديث حسن.
 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُواْ يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

الوزر : الذنب . ولا تزر وازرة وزر أخرى : لا تحمل نفسٌ آثمة حمل أخرى .

بذات الصدور : بما يدور في نفس الإنسان .

وبعد أن أقام الدليل على وحدانيته ، وبيّن أن المشركين ذهبت عقولُهم حين عبدوا الأصنام بين هنا أن الله هو الغني عما سواه من المخلوقات ، فهو لا يريد بعبادته جَرَّ منفعة ، ولا دفع مضرة ، ولكنه لا يرضى لعباده الكفر ، { وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ } فكل نفس مطالَبةٌ بما عملت ، وبعدئذ تُردّ إلى عالم الغيب والشهادة فيجازيها بما كسبت .

وهذا مبدأ جاء به الإسلام ، وأصّله القرآن الكريم ، ولم يستقرّ في فقه القانون إلا في العصور الحديثة .

قراءات :

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي : { وإن تشكروا يرضهُ لكم } بإشباع ضمة الهاء ، وقرأ يعقوب : { يرضهْ } بإسكان الهاء ، والباقون : { يرضهُ } بضم الهاء بدون مد ولا إشباع .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِن تَكۡفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمۡۖ وَلَا يَرۡضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلۡكُفۡرَۖ وَإِن تَشۡكُرُواْ يَرۡضَهُ لَكُمۡۗ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَۚ إِنَّهُۥ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ} (7)

ولما ظهرت الأدلة وبهرت الحجج ، بين ما على من غطاها بالإصرار ، وما لمن تاب ورجع التذكار ، فقال مستأنفاً لما هو نتيجة ما مضى ، معرفاً لهم نعمته عليهم بأنه ما تعبد لشيء يخصه من نفع أو ضر ، وإنما هو لمصالحهم خاصة بادئاً بما هو من درء المفاسد : { إن تكفروا } أي تستروا الأدلة فتصروا على الانصراف عنه بالإشراك { فإن الله } لأنه جامع لصفات الكمال { غني عنكم } أي فلا يضره كفركم ولا تنفعه طاعتكم ، وأما أنتم فلا غنى لكم عنه بوجه ، ولا بد أن يحكم بينكم فلم تضروا إلا أنفسكم { ولا يرضى } لكم - هكذا كان الأصل بدليل ما سبقه ولحقه ، وإنما أظهر ليعم وليذكرهم بما يجدونه في أنفسهم من أن أحداً منهم لا يرضى لعبده أن يؤدي خرجه إلى غيره بغير إذنه فقال : { لعباده } أي الذين تفرد بإيجادهم وتربيتهم { الكفر } بالإقبال على سواه وأنتم لا ترضون ذلك لعبيدكم مع أن ملككم لهم في غاية الضعف ، ومعنى عدم الرضى أنه لا يفعل فعل الراضي بأن يأذن فيه ويقر عليه أو يثيب فاعله ويمدحه ، بل يفعل فعل الساخط بأن ينهى عنه ويذم عليه ويعاقب مرتكبه { وإن تشكروا } أي بالعبادة والإخلاص فيها { يرضه } أي الشكر الدال عليه فعله { لكم } أي الرضى اللائق بجنابه سبحانه بأن يقركم عليه أو يأمركم به ويثيبكم على فعله ، والقسمان بإرادته ، واختلاف القراء في هائه دال على مراتب الشكر - والله أعلم ، فالوصل للواصلين إلى النهاية على اختلاف مراتبهم في الوصول والاختلاس للمتوسطين والإسكان لمن في الدرجة الأولى منه .

ولما كان في سياق الحكم والقهر ، وكانت عادة القهارين أن يكلفوا بعض الناس ببعض ويأخذوهم بجرائرهم لينتظم لهم العلو على الكل لعدم إحاطة علمهم بكل مخالف لأمرهم ، بين أنه سبحانه على غير ذلك فقال : { ولا تزر وازرة } أي وازرة كانت { وزر أخرى } بل وزر كل نفس عليها لا يتعداها يحفظ عليها مدة كونها في دار العمل ، والإثم الذي يكتب على الإنسان بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس وزر غيره ، وإنما هو وزر نفسه ، فوزر الفاعل على الفعل ، ووزر الساكت على الترك لما لزمه من الأمر والنهي { ثم إلى ربكم } أي وحده لا إلى أحد ممن أشركتموه به { مرجعكم } أي بالبعث بعد الموت إلى دار الجزاء . ولما كان الجزاء تابعاً للعلم ، قال معبراً عنه به : { فينبئكم } أي فيتسبب عن البعث أنه يخبركم إخباراً عظيماً { بما كنتم تعملون } أي بما كان في طبعكم العمل به سواء عملتموه بالفعل أم لا ثم يجازيكم عليه إن شاء .

ولما كان المراد - كما أشار إليه بكان - الإخبار بجميع الأعمال الكائنة بالفعل أو القوة ، حسن التعليل بقوله : { إنه عليم } أي بالغ العلم { بذات الصدور * } أي بصاحبتها من الخواطر والعزوم ، وذلك بما دلت عليه الصحبة - كل ما لم يبرز إلى الخارج ، فهو بما برز أعلم .