في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ} (2)

( ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) . .

فيثبت في هذه الآية القصيرة وينفي . . يثبت نعمة الله على نبيه ، في تعبير يوحي بالقربى والمودة : حين يضيفه سبحانه إلى ذاته : ( ربك ) . وينفي تلك الصفة المفتراة التي لا تجتمع مع نعمة الله ، على عبد نسبه إليه وقربه واصطفاه . .

وإن العجب ليأخذ كل دارس لسيرة الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] في قومه ، من قولتهم هذه عنه ، وهم الذين علموا منه رجاحة العقل حتى حكموه بينهم في رفع الحجر الأسود قبل النبوة بأعوام كثيرة . وهم الذين لقبوه بالأمين ، وظلوا يستودعونه أماناتهم حتى يوم هجرته ، بعد عدائهم العنيف له ، فقد ثبت أن عليا - كرم الله وجهه - تخلف عن رسول الله أياما في مكة ، ليرد إليهم ودائعهم التي كانت عنده ؛ حتى وهم يحادونه ويعادونه ذلك العداء العنيف . وهم الذين لم يعرفوا عليه كذبة واحدة قبل البعثة . فلما سأل هرقل أبا سفيان عنه : هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل نبوته ? قال أبو سفيان - وهو عدوه قبل إسلامه - لا ، فقال هرقل : ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله !

إن الإنسان ليأخذه العجب أن يبلغ الغيظ بالناس إلى الحد الذي يدفع مشركي قريش إلى أن يقولوا هذه القولة وغيرها عن هذا الإنسان الرفيع الكريم ، المشهور بينهم برجاحة العقل وبالخلق القويم . ولكن الحقد يعمي ويصم ، والغرض يقذف بالفرية دون تحرج ! وقائلها يعرف قبل كل أحد ، أنه كذاب أثيم !

( ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) . . هكذا في عطف وفي إيناس وفي تكريم ، ردا على ذلك الحقد الكافر ، وهذا الافتراء الذميم .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ} (2)

1

ما أنت بنعمة ربك بمجنون .

كان الحقد والحسد على محمد صلى الله عليه وسلم قد بلغ أشده من الكافرين ، فادعوا أن محمدا مجنون ، وأن هذا القرآن آثر من آثار هذيانه وجنونه ، ومحمد صلى الله عليه وسلم في الذروة العليا من العقل والحكمة والرشد ، قد أرسله الله لهداية الناس ورحمتهم ، وإخراجهم من الظلمات إلى النور .

لذلك أقسم الله على أن محمدا بسبب نعمة الله ورحمته به ، منتف عنه الجنون ، مؤهل للرسالة ، موصول القلب بالله ، لنعم الله وفيوضاته .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ} (2)

لينفيَ عن رسول الله ما كان يقوله المشركون عنه بأنه مجنون ، فيردّ الله عليهم بقوله :

{ مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } .

لستَ يا محمد مجنوناً كما يزعمون ، فقد أنعم اللهُ عليك بالنبوّة والرسالة ، والعقل الراجح .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ} (2)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{ما أنت} يا محمد {بنعمة ربك} يعني برحمة ربك {بمجنون}...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ما أنت بنعمة ربك بمجنون، مكذّبا بذلك مشركي قريش الذين قالوا له: إنك مجنون...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

فموضع القسم هذا: أقسم بما ذكر: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون}

يحتمل أوجها: أحدها:

أن نعمة ربك حفظتك من الجنون؛ نفى عنه الجنون بقوله: {ما أنت} بما أنعم الله عليك {بمجنون} وهذا كما يقال: ما أنت يا محمد بحمد الله بمجنون، يراد به نفي الجنون.

والثاني: أنك لست ممن خدعته النعمة، واغترّ بها حتى شغلته عن العمل بمآله وما عليه. والمجنون بالنعمة هو الذي غرته النعم، وألهته عن التزود للمعاد. والثالث: ما أنت بغافل عن نعمة ربك، بل تذكرها، وتشكر الله عليها. والمجنون من غفل عن النعمة، وأعرض عن شكرها.

والرابع: أن الكفرة كانوا ينسبونه إلى الجنون: إما لما كان يغشاه بثقل الوحي، فكانوا ينسبونه بهذا إلى الجنون، وإما لما رأوا أنه خاطر بنفسه وروحه حين خالف أهل الأرض، وفيها الجبابرة والفراعنة، وانتصب لمعاداتهم. ومن قام بخلاف من لا طاقة له معه، وانتصب لمعاداته، فذلك منه في الشاهد جنون. فأجاب الله تعالى للفريقين جميعا: أما الأول فبقوله: {قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة} [سبإ: 46] أي كيف تنسبونه إلى الجنون، وعند الإفاقة من تلك الغشية يأتيكم بحكمة وموعظة، يعجز حكماء الجن والإنس عن إتيان مثلها، وليس لك من علم المجانين ولا مما يمكن تحصيله في حال الجنون، لأن المجنون إذا أفاق من غشيته تكلم بكلام لا يعبأ بمثله ولا يكترث.

وأجاب لمن كان نسبه على الجنون لما رأوه خاطر بروحه ونفسه بقوله: {إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد} [سبإ: 46] فأخبر أن الذي حمله على المخاطرة بروحه وجسده، هو أنه مأمور بالتبليغ والنذارة؛ فهو يقوم بما أمر، وإن أدى ذلك إلى إتلاف النفس. ثم بحمد الله لم يتهيأ للفراعنة أن يقتلوه، ولا تمكنوا من المكر به، بل أظفره الله تعالى عليهم حتى قتلهم، ورد كيدهم في نحورهم، فصار الوجه الذي استدلوا به على جنونه آية رسالته ودلالة نبوته، والله الهادي...

الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :

{مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} يعني أنّك لا تكون مجنوناً وقد أنعم الله عليك بالنبوّة.

وقيل: بعصمة ربّك...

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

والجنون: غمور العقل بستره عن الإدراك به بما يخرج عن حكم الصحيح، وأصله الستر من قوله (جن عليه الليل) إذا ستره.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

ما أوجب لصدره من الوحشة من قول الأعداء عنه: إنه مجنون، أزاله عنه بنفيه، ومحقَّقاً ذلك بالقَسَم عليه... وهذه سُنَّةُ الله تعالى مع رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فما يقوله الأعداءُ فيه يردُّه -سبحانه- عليهم بخطابه وعنه ينفيه...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

والمعنى؛ استبعاد ما كان ينسبه إليه كفار مكة عداوة وحسداً، وأنه من إنعام الله عليه بحصافة العقل والشهامة التي يقتضيها التأهيل للنبوّة بمنزلة.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

نفي الجنون عنه ثم إنه تعالى قرن بهذه الدعوى ما يكون كالدلالة القاطعة على صحتها وذلك لأن قوله: {بنعمة ربك} يدل على أن نعم الله تعالى كانت ظاهرة في حقه من الفصاحة التامة والعقل الكامل والسيرة المرضية، والبراءة من كل عيب، والاتصاف بكل مكرمة وإذا كانت هذه النعم محسوسة ظاهرة، فوجودها ينافي حصول الجنون، فالله تعالى نبه على هذه الدقيقة لتكون جارية مجرى الدلالة اليقينية على كونهم كاذبين في قولهم له: إنه مجنون...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان المخاطب بهذا صلى الله عليه وسلم قد عاشر المرسل إليهم دهراً طويلاً وزمناً مديداً، أربعين سنة وهو أعلاهم قدراً وأطهرهم خلائق وأمتنهم عقلاً وأحكمهم رأياً وأرأفهم وأرفعهم عن شوائب الأدناس همة وأزكاهم نفساً، بحيث إنه لا يدعى بينهم إلا بالأمين ولم يتجدد له شيء يستحق به أن يصفوه بسببه بالجنون، الذي ينشأ عنه الضلال عن المقاصد المذكور آخر الملك في قوله: (فستعلمون من هو في ضلال مبين} [الملك: 29] إلا النعمة التي ما نال أحد قط مثلها في دهر من الدهور ولا عصر من الأعصار، قال مجيباً هذا القسم العظيم راداً عليهم بأجلى ما يكون وأدله على المراد تأنيساً له صلى الله عليه وسلم مما أوجب افتراؤهم عليه له من الوحشة وشرحاً لصدره وتهدئة لسره: {ما أنت} أي يا أعلى المتأهلين لخطابنا {بنعمة} أي بسبب إنعام {ربك} المربي لك بمثل تلك الهمم العالية والسجايا الكاملة بأن خصك بالقرآن، الذي هو جامع لكل علم وحكمة، وأكد النفي زيادة في شرفه صلى الله عليه وسلم فقال: {بمجنون} أي بل الذي وصفك بهذا هو الحقيق باسم الجنون، ومعناه فضلاً عن الضلال الذي ردد في آخر تلك بينك وبينهم فيه سلوكاً لسبيل الإنصاف، لينظروا في تلك بالأدلة فيعلموا ضلالهم وهدايتك بالدليل القطعي بالنظر في الآثار المظهرة لذلك غاية الإظهار، فنفى عنه صلى الله عليه وسلم الشقاوة التي سببها فساد العقل فثبتت السعادة التي سببها صلاح العقل ونعمة الرب له...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فيثبت في هذه الآية القصيرة وينفي..

يثبت نعمة الله على نبيه، في تعبير يوحي بالقربى والمودة: حين يضيفه سبحانه إلى ذاته: (ربك). وينفي تلك الصفة المفتراة التي لا تجتمع مع نعمة الله، على عبد نسبه إليه وقربه واصطفاه.. وإن العجب ليأخذ كل دارس لسيرة الرسول [صلى الله عليه وسلم] في قومه، من قولتهم هذه عنه، وهم الذين علموا منه رجاحة العقل حتى حكموه بينهم في رفع الحجر الأسود قبل النبوة بأعوام كثيرة. وهم الذين لقبوه بالأمين، وظلوا يستودعونه أماناتهم حتى يوم هجرته، بعد عدائهم العنيف له، فقد ثبت أن عليا -كرم الله وجهه- تخلف عن رسول الله أياما في مكة، ليرد إليهم ودائعهم التي كانت عنده؛ حتى وهم يحادونه ويعادونه ذلك العداء العنيف. وهم الذين لم يعرفوا عليه كذبة واحدة قبل البعثة. فلما سأل هرقل أبا سفيان عنه: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل نبوته؟ قال أبو سفيان -وهو عدوه قبل إسلامه- لا، فقال هرقل: ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله!

إن الإنسان ليأخذه العجب أن يبلغ الغيظ بالناس إلى الحد الذي يدفع مشركي قريش إلى أن يقولوا هذه القولة وغيرها عن هذا الإنسان الرفيع الكريم، المشهور بينهم برجاحة العقل وبالخلق القويم. ولكن الحقد يعمي ويصم، والغرض يقذف بالفرية دون تحرج! وقائلها يعرف قبل كل أحد، أنه كذاب أثيم!

(ما أنت بنعمة ربك بمجنون).. هكذا في عطف وفي إيناس وفي تكريم، ردا على ذلك الحقد الكافر، وهذا الافتراء الذميم...

الشعراوي- 1419هـ.

والنعمة هنا هي ما أنزله الله على رسول الله من الكتاب والحكمة، فهي المنهج الحق، وقد هداك الله إلى هذا المنهج القويم، فلقد كنت ضالا تبحث عن الهداية، فجاءتك النعمة الكاملة من الله.

ومن هداه الله إلى النعمة الكبرى لا يكون مجنونا أبدا، فالمجنون يتصرف بلا منطق، يضحك بلا سبب ويبكي بلا سبب، ويضرب الناس بلا سبب، فهل رأيتم محمدا صلى الله عليه وسلم يفعل شيئا من هذا؟

والنعمة التي أنزلها الله على رسوله ليست بسحر كما قال بعضكم لأنه يملك من البيان ما يملكون وفوق ما يملكون ويحسنون، ولا يفعل رسول الله معهم ما يجعلهم يؤمنون على الرغم منهم.

وليس القرآن كذلك بكلام كهنة، لأن رسول الله نشأ بينهم ويعلمون أنه الصادق الأمين الذي لم يتلق علما من أحد، فضلا عن أن كلام الكهان له سمت خاص وسجع معروف، والقرآن ليس كذلك.

ويعلمون أنه كلام نطق به رجل عاقل، فكلام المجنون لا ينسجم مع بعضه، فهل أحد من المشركين أخذ على رسول الله أي سلوك يمكن أن يشير إلى عدم ترتيب الأفعال؟ لا.

وإذا كان المجنون فاقد الميزان العقلي الذي يختار بين البديلات، فكيف يقولون ذلك عن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وهو قد عاش بينهم، ولم يكن قط فاقدا لميزان الاختيار بين البديلات، بل كانوا يعتبرونه الصادق الأمين.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ} (2)

{ ما أنت بنعمة ربك } بإنعامه عليك بالنبوة { بمجنون } أي إنك لا تكون مجنونا وقد أنعم الله عليك بالنبوة . وهذا جواب لقولهم { وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون }

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ} (2)

" ما أنت بنعمة ربك بمجنون " هذا جواب القسم وهو نفي ، وكان المشركون يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم إنه مجنون ، به شيطان . وهو قولهم : " يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون{[15220]} " [ الحجر : 6 ] فأنزل الله تعالى ردا عليهم وتكذيبا لقولهم { ما أنت بنعمة ربك بمجنون } أي برحمة ربك . والنعمة ها هنا الرحمة . ويحتمل ثانيا - أن النعمة ها هنا قسم ، وتقديره : ما أنت ونعمة ربك بمجنون ؛ لأن الواو والباء من حروف القسم . وقيل هو كما تقول : ما أنت بمجنون ، والحمد لله . وقيل : معناه ما أنت بمجنون ، والنعمة لربك ؛ كقولهم : سبحانك اللهم وبحمدك ؛ أي والحمد لله . ومنه قول لبيد :

وأفردتُ في الدنيا بفقد عشيرتي *** وفارقني جارٌ بأربَدَ نافعُ

أي وهو أربد{[15221]} . وقال النابغة :

لم يُحْرَمُوا حسنَ الغذاء وأمُّهم *** طَفَحَتْ عليك بناتِقٍ مِذْكَارِ

أي هو ناتق . والباء في " بنعمة ربك " متعلقة " بمجنون " منفيا ، كما يتعلق بغافل مثبتا . كما في قولك : أنت بنعمة ربك غافل . ومحله النصب على الحال ، كأنه قال : ما أنت بمجنون منعما عليك بذلك .


[15220]:راجع جـ 10 ص 4.
[15221]:الربدة (بضم فسكون): الغيرة. ورواية الديوان في هذا البيت: وقد كنت في أكناف جار مضنة * فقارقني.....الخ. و "جار مضنة": جار يضن به.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{مَآ أَنتَ بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ بِمَجۡنُونٖ} (2)

ولما كان المخاطب بهذا{[67307]} صلى الله عليه وسلم قد عاشر المرسل إليهم دهراً طويلاً وزمناً مديداً ، أربعين سنة وهو أعلاهم قدراً وأطهرهم خلائق وأمتنهم عقلاً وأحكمهم رأياً {[67308]}وأرأفهم وأرفعهم{[67309]} عن شوائب الأدناس همة وأزكاهم نفساً ، بحيث إنه لا يدعى بينهم إلا بالأمين ولم يتجدد له شيء يستحق به أن يصفوه بسببه بالجنون ، الذي ينشأ عنه الضلال عن المقاصد المذكور آخر الملك في قوله :

( فستعلمون من هو في ضلال مبين }[ الملك : 29 ] إلا{[67310]} النعمة التي ما نال أحد قط{[67311]} مثلها في دهر من الدهور ولا عصر من الأعصار ، قال مجيباً هذا القسم العظيم{[67312]} راداً عليهم بأجلى ما يكون وأدله على المراد تأنيساً له صلى الله عليه وسلم مما أوجب افتراؤهم عليه له{[67313]} من الوحشة وشرحاً لصدره وتهدئة لسره : { ما أنت } أي يا أعلى المتأهلين لخطابنا { بنعمة } أي بسبب إنعام{[67314]} { ربك } المربي لك بمثل{[67315]} تلك الهمم العالية والسجايا الكاملة بأن خصك بالقرآن ، الذي هو جامع لكل علم وحكمة ، وأكد النفي زيادة في شرفه صلى الله عليه وسلم فقال : { بمجنون * } أي بل{[67316]} الذي وصفك بهذا هو الحقيق باسم الجنون ، ومعناه فضلاً عن الضلال الذي{[67317]} ردد في آخر تلك بينك وبينهم فيه سلوكاً لسبيل الإنصاف ، لينظروا في تلك بالأدلة فيعلموا{[67318]} ضلالهم وهدايتك بالدليل القطعي بالنظر في الآثار المظهرة لذلك غاية الإظهار ، فنفى عنه صلى الله عليه وسلم الشقاوة التي سببها{[67319]} فساد العقل فثبتت السعادة التي سببها{[67320]} صلاح العقل ونعمة الرب له .

و{[67321]}قال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما تضمنت سورة الملك{[67322]} من عظيم البراهين ما يعجز العقول عن استيفاء الاعتبار ببعضه كالاعتبار بخلق السماوات في قوله تعالى :{ الذي خلق سبع سماوات طباقاً }[ الملك 3 ] أي يطابق بعضها بعضاً{[67323]} من طابق النعل - إذا خصفها طبقاً على طبق ، ويشعر هذا بتساويها في مساحة أقطارها ومقادير أجرامها - والله أعلم ، ووقع الوصف بالمصدر يشعر باستحكام مطابقة بعضها لبعض ، إنباء منه سبحانه وتعالى أنها من عظم أجرامها وتباعد أقطارها يطابق بعضها بعضاً{[67324]} من غير زيادة ولا نقص .

{ ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت }[ الملك : 3 ] أي من اختلاف واضطراب في الخلقة أو تناقض ، إنما هي مستوية مستقيمة ، وجيء بالظاهر في قوله تعالى :

{ ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت }[ الملك : 3 ] ولم يقل : ما ترى فيه من تفاوت - ليشعر أن جميع المخلوقات جار على هذا ، كل شكل يناسب شكله ، لا تفاوت في شيء من ذلك ولا اضطراب ، فأعطى الظاهر {[67325]}من التعميم{[67326]} ما لم يكن يعطيه الإضمار ، كما أشعر خصوص اسم الرحمن بما في هذه الأدلة المبسوطة{[67327]} من الرحمة للخلائق لمن رزق الاعتبار ، ثم نبه تعالى على ما يرفع الريب ويزيح{[67328]} الإشكال في ذلك فقال :

{ فارجع البصر }[ الملك : 3 ] أي عاود الاعتبار{[67329]} وتأمل ما تشاهده من هذه{[67330]} المخلوقات حتى يصح عندك ما أخبرت به بالمعاينة ، ولا يبقى معك في ذلك شبهة .

( هل ترى من فطور }[ الملك : 3 ] أي من{[67331]} صدوع وشقوق ، ثم أمر تعالى بتكرير البصر{[67332]} فيهن متصفحاً ومتمتعاً هل تجد عيباً أو خللاً .

{ ينقلب إليك البصر خاسئاً }[ الملك : 4 ] أي إنك إذا فعلت هذا رجع بصرك بعيداً عن إصابة الملتمس كأنه يطرد عن ذلك طرداً بالصغار وبالإعياء وبالكلال{[67333]} لطول الإجالة والترديد ، وأمر برجوع البصر{[67334]} ليكون في ذلك استجمامه واستعداده حتى لا يقع بالرجعة الأولى التي{[67335]} يمكن فيها الغفلة و{[67336]}الذهول ، إلى أن يحسر بصره من طول المعاودة ، إذ معنى التثنية في قوله " كرتين " التكرير كقولهم : لبيك وسعديك فيحسر البصر من طول{[67337]} التكرار ولا يعثر على شيء من فطور ، فلو لم تنطو السورة على غير ما وقع من أوله إلى هنا لكان في ذلك أعظم معتبر ، وأوضح دليل لمن استبصر ، إذ هذا الاعتبار بما ذكر من عمومه جار في{[67338]} كل المخلوقات ، ولا يستقل بفهم مجاريه{[67339]} إلا آحاد من العقلاء بعد التحريك والتنبيه ، فشهادته بنبوة الآتي به قائمة واضحة ، ثم قد تكررت في السورة دلالات{[67340]} كقوله

{ ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح }[ الملك : 5 ] وقوله

{ ألا يعلم من خلق {[67341]}وهو اللطيف{[67342]} الخبير }[ الملك : 14 ] الآيات إلى آخر السورة ، وأدناها كاف في الاعتبار ، فأنى يصدر بعض عن متصف ببعض ما هزئوا به في قولهم : مجنون و{[67343]}ساحر وشاعر{[67344]} وكذاب ،

{ كلا{[67345]} بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون }[ المطففين : 14 ] فلعظيم ما انطوت عليه سورة الملك من البراهين ، أتبعت بتنزيه الآتي بها محمد صلى الله عليه وسلم عما تقوله المبطلون مقسماً على{[67346]} ذلك زيادة في التعظيم ، تأكيداً في {[67347]}التعزير والتكرير{[67348]} فقال تعالى { ن{[67349]} والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون } [ القلم : 1 ، 2 ] وأنى يصح من مجنون{[67350]} تصور بعض تلك البراهين ، قد انقطعت دونها أنظار العقلاء ، فكيف ببسطها وإيضاحها في نسق موجز ، ونظم معجز ، وتلاؤم يبهر العقول ، وعبارة تفوق كل مقول{[67351]} ، تعرف ولا تدرك ، وتستوضح سبلها فلا تسلك .

{ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله }[ الإسراء : 88 ] فقوله سبحانه وتعالى { ما أنت بنعمة ربك بمجنون } [ القلم : 2 ] جواباً لقوله تعالى في{[67352]} آخر السورة إنه لمجنون ، وتقدم الجواب بنفي قولهم والتنزيه عنه على حكاية قولهم ، ليكون أبلغ في إجلاله صلى الله عليه وسلم ، وأخف وقعاً عليه وأبسط لحاله في تلقي{[67353]} ذلك منهم ، ولهذا قدم مدحه صلى الله عليه وسلم بما خص به من الخلق العظيم ، فكان هذا أوقع في الإجلال من تقديم قولهم ثم رده ، إذ كسر سورة تلك المقالة الشنعاء بتقديم التنزيه عنها أتم في الغرض وأكمل ، ولا موضع أليق {[67354]}بذكر تنزيهه{[67355]} عليه الصلاة والسلام ، ووصفه من الخلق والمنح الكريمة بما وصف مما{[67356]} أعقب به ذلك إذ بعض ما تضمنته سورة الملك بما تقدم الإيماء إليه شاهد قاطع لكل عاقل متصف بصحة نبوته صلى الله عليه وسلم وجليل صدقه ،

( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً }[ النساء : 82 ] فقد تبين موقع هذه السورة هنا ، وتلاؤم ما بعده من آيها يذكر في التفسير - انتهى .


[67307]:- زيد في الأصل: النبي، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها..
[67308]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[67309]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[67310]:- من ظ وم، وفي الأصل: أرفهم.
[67311]:- من ظ وم، وفي الأصل: الذي هو.
[67312]:- زيد في الأصل: ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمه ربك بمجنون وإنك لعلي خلق عظيم، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67313]:- زيد من ظ وم.
[67314]:-من ظ وم، وفي الأصل: معرفتك.
[67315]:- من ظ وم، وفي الأصل: بمثلك.
[67316]:- زيد من ظ وم.
[67317]:- من ظ وم، وفي الأصل: التي.
[67318]:- زيد في الأصل: في ذلك، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67319]:- من ظ وم، وفي الأصل: به سلبها.
[67320]:- زيد من ظ وم.
[67321]:-زيد من ظ وم.
[67322]:- زيد في الأصل: ما، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67323]:- من ظ و م، وفي الأصل: من بعض.
[67324]:- زيد من ظ وم.
[67325]:- من ظ وم، وفي الأصل: للتعميم.
[67326]:- من ظ وم، وفي الأصل: للتعميم.
[67327]:- زيد في الأصل: من الرحمن، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67328]:- من ظ وم، وفي الأصل: البصر.
[67329]:- سقط من ظ وم.
[67330]:- -زيد في الأصل: وتردده مرتين، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها
[67331]:- زيد من ظ وم.
[67332]:-زيد في الأصل: وتردده مرتين، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67333]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالكلام.
[67334]:- زيد في الأصل: وتردده، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[67335]:- زيد في ظ وم.
[67336]:- زيد في ظ وم.
[67337]:-زيد في ظ وم.
[67338]:- من م، وفي الأصل وظ: على.
[67339]:- من ظ وم، وفي الأصل: مجاري.
[67340]:- من ظ وم، وفي الأصل: دلالة.
[67341]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[67342]:- سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[67343]:- زيد من ظ وم.
[67344]:- سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[67345]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[67346]:- من ظ وم، وفي الأصل: في.
[67347]:- من ظ وم، وفي الأصل: التعزيز والتكريم.
[67348]:- من ظ وم، وفي الأصل: التعزيز والتكريم.
[67349]:- زيد من ظ وم.
[67350]:- زيد من ظ وم.
[67351]:- زيدت الواو في الأصل ولم تكن في ظ وم فحذفناها.
[67352]:- من ظ وم، وفي الأصل: التعزيز والتكريم.
[67353]:- من ظ وم، وفي الأصل: تلك.
[67354]:- من ظ وم، وفي الأصل: تنزيهه.
[67355]:- من ظ وم، وفي الأصل: تنزيهه.
[67356]:- من ظ وم، وفي الأصل: بما.