في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الملك مكية وآياتها ثلاثون

هذا الجزء كله من السور المكية . كما كان الجزء الذي سبقه كله من السور المدنية . ولكل منهما طابع مميز ، وطعم خاص . . وبعض مطالع السور في هذا الجزء من بواكير ما نزل من القرآن كمطلع سورة " المدثر " ومطلع سورة " المزمل " . كما أن فيه سورا يحتمل أن تكون قد نزلت بعد البعثة بحوالي ثلاث سنوات كسورة " القلم " . وبحوالي عشر سنوات كسورة " الجن " التي يروى أنها نزلت في عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف ، حيث أوذي من ثقيف . ثم صرف الله إليه نفرا من الجن فاستمعوا إليه وهو يرتل القرآن ، مما حكته سورة الجن في هذا الجزء . وكانت هذه الرحلة بعد وفاة خديجة وأبي طالب قبيل الهجرة بعام أو عامين . وإن كانت هناك رواية أخرى هي الأرجح بأن السورة نزلت في أوائل البعثة .

والقرآن المكي يعالج - في الغالب - إنشاء العقيدة . في الله وفي الوحي ، وفي اليوم الآخر . وإنشاء التصور المنبثق من هذه العقيدة لهذا الوجود وعلاقته بخالقه . والتعريف بالخالق تعريفا يجعل الشعور به حيا في القلب ، مؤثرا موجها موحيا بالمشاعر اللائقة بعبد يتجه إلى رب ، وبالأدب الذي يلزمه العبد مع الرب ، وبالقيم والموازين التي يزن بها المسلم الأشياء والأحداث والأشخاص . وقد رأينا نماذج من هذا في السور المكية السابقة ، وسنرى نماذج منه في هذا الجزء .

والقرآن المدني يعالج - في الغالب - تطبيق تلك العقيدة وذاك التصور وهذه الموازين في الحياة الواقعية ؛ وحمل النفوس على الإضطلاع بأمانة العقيدة والشريعة في معترك الحياة ، والنهوض بتكاليفها في عالم الضمير وعالم الظاهر سواء . وقد رأينا نماذج من هذا في السور المدنية السابقة ومنها سور الجزء الماضي .

وهذه السورة الأولى - سورة تبارك - تعالج إنشاء تصور جديد للوجود وعلاقاته بخالق الوجود . تصور واسع شامل يتجاوز عالم الأرض الضيق وحيز الدنيا المحدود ، إلى عوالم في السماوات ، وإلى حياة في الآخرة . وإلى خلائق أخرى غير الإنسان في عالم الأرض كالجن والطير ، وفي العالم الآخر كجهنم وخزنتها . وإلى عوالم في الغيب غير عالم الظاهر تعلق بها قلوب الناس ومشاعرهم ، فلا تستغرق في الحياة الحاضرة الظاهرة ، في هذه الأرض . كما أنها تثير في حسهم التأمل فيما بين أيديهم وفي واقع حياتهم وذواتهم مما يمرون به غافلين .

وهي تهز في النفوس جميع الصور والانطباعات والرواسب الجامدة الهامدة المتخلفة من تصور الجاهلية وركودها ؛ وتفتح المنافذ هنا وهناك ، وتنفض الغبار وتطلق الحواس والعقل والبصيرة ترتاد آفاق الكون ، وأغوار النفس ، وطباق الجو ، ومسارب الماء ، وخفايا الغيوب ، فترى هناك يد الله المبدعة ، وتحس حركة الوجود المنبعثة من قدرة الله . وتؤوب من الرحلة وقد شعرت أن الأمر أكبر ، وأن المجال أوسع . وتحولت من الأرض - على سعتها - إلى السماء . ومن الظواهر إلى الحقائق . ومن الجمود إلى الحركة . مع حركة القدر ، وحركة الحياة ، وحركة الأحياء .

الموت والحياة أمران مألوفان مكروران . ولكن السورة تبعث حركة التأمل فيما وراء الموت والحياة من قدر الله وبلائه ، ومن حكمة الله وتدبيره : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ، وهو العزيز الغفور ) .

والسماء خلق ثابت أمام الأعين الجاهلة لا تتجاوزه إلى اليد التي أبدعته ، ولا تلتفت لما فيه من كمال . ولكن السورة تبعث حركة التأمل والاستغراق في هذا الجمال والكمال وما وراءها من حركة وأهداف : ( الذي خلق سبع سماوات طباقا . ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ? ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير . . ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين . . ) .

والحياة الدنيا تبدو في الجاهلية غاية الوجود ، ونهاية المطاف . ولكن السورة تكشف الستار عن عالم آخر هو حاضر للشياطين وللكافرين . وهو خلق آخر حافل بالحركة والتوفز والانتظار : وأعتدنا لهم عذاب السعير . وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير . إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور . تكاد تميز من الغيظ . كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها : ألم يأتكم نذير ? قالوا : بلى ! قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا : ما نزل الله من شيء ؛ إن أنتم إلا في ضلال كبير وقالوا : لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير . فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير ! .

والنفوس في الجاهلية لا تكاد تتجاوز هذا الظاهر الذي تعيش فيه ، ولا تلقي بالا إلى الغيب وما يحتويه . وهي مستغرقة في الحياة الدنيا محبوسة في قفص الأرض الثابتة المستقرة . فالسورة تشد قلوبهم وأنظارهم إلى الغيب وإلى السماء وإلى القدرة التي لم ترها عين ، ولكنها قادرة تفعل ما تشاء حيث تشاء وحين تشاء ؛ وتهز في حسهم هذه الأرض الثابتة التي يطمئنون إليها ويستغرقون فيها ( إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير . وأسروا قولكم أو أجهروا به ، إنه عليم بذات الصدور . ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ? هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور . أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ? أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا ? فستعلمون كيف نذير ) . .

والطير . إنه خلق يرونه كثيرا ولا يتدبرون معجزته إلا قليلا . ولكن السورة تمسك بأبصارهم لتنظر وبقلوبهم لتتدبر ، وترى قدرة الله الذي صور وقدر : ( أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ? ما يمسكهن إلا الرحمن ، إنه بكل شيء بصير ) .

وهم آمنون في دارهم ، مطمئنون إلى مكانهم ، طمأنينة الغافل عن قدرة الله وقدره . ولكن السورة تهزهم من هذا السبات النفسي ، بعد أن هزت الأرض من تحتهم وأثارت الجو من حولهم ، تهزهم على قهر الله وجبروته الذي لا يحسبون حسابه : ( أم من هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن ? إن الكافرون إلا في غرور ) .

والرزق الذي تناله أيديهم ، إنه في حسهم قريب الأسباب ، وهي بينهم تنافس وغلاب . ولكن السورة تمد أبصارهم بعيدا هنالك في السماء ، ووراء الأسباب المعلومة لهم كما يظنون : ( أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ? بل لجوا في عتو ونفور ) . .

وهم سادرون في غيهم يحسبون أنهم مهتدون وهم ضالون . فالسورة ترسم لهم حقيقة حالهم وحال المهتدين حقا ، في صورة متحركة موحية : ( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى ? أم من يمشي سويا على صراط مستقيم ? ) .

وهم لا ينتفعون بما رزقهم الله في ذوات أنفسهم من استعدادات ومدارك ؛ ولا يتجاوزون ما تراه حواسهم إلى التدبر فيما وراء هذا الواقع القريب . فالسورة تذكرهم بنعمة الله فيما وهبهم ، وتوجههم إلى استخدام هذه الهبة في تنور المستقبل المغيب وراء الحاضر الظاهر ، وتدبر الغاية من هذه البداية : قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ، قليلا ما تشكرون . قل : هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون . .

وهم يكذبون بالبعث والحشر ، ويسألون عن موعده . فالسورة تصوره لهم واقعا مفاجئا قريبا يسوؤهم أن يكون : ( ويقولون : متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ? قل إنما العلم عند الله ، وإنما أنا نذير مبين . فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا ، وقيل : هذا الذي كنتم به تدعون ! ) . .

وهم يتربصون بالنبي [ صلى الله عليه وسلم ] ومن معه أن يهلكوا فيستريحوا من هذا الصوت الذي يقض عليهم مضجعهم بالتذكير والتحذير والإيقاظ من راحة الجمود ! فالسورة تذكرهم بأن هلاك الحفنة المؤمنة أو بقاءها لا يؤثر فيما ينتظرهم هم من عذاب الله على الكفر والتكذيب ، فأولى لهم أن يتدبروا أمرهم وحالهم قبل ذلك اليوم العصيب : ( قل : أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم ? قل : هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين ) .

وتنذرهم السورة في ختامها بتوقع ذهاب الماء الذي به يعيشون ، والذي يجريه هو الله الذي به يكفرون ! ( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ? ) . .

إنها حركة . حركة في الحواس ، وفي الحس ، وفي التفكير ، وفي الشعور .

ومفتاح السورة كلها ، ومحورها الذي تشد إليه تلك الحركة فيها ، هو مطلعها الجامع الموحي:

وعن حقيقة الملك وحقيقة القدرة تتفرع سائر الصور التي عرضتها السورة ، وسائر الحركات المغيبة والظاهرة التي نبهت القلوب إليها . .

فمن الملك ومن القدرة كان خلق الموت والحياة ، وكان الابتلاء بهما . وكان خلق السماوات وتزيينها بالمصابيح وجعلها رجوما للشياطين . وكان إعداد جهنم بوصفها وهيئتها وخزنتها . وكان العلم بالسر والجهر . وكان جعل الأرض ذلولا للبشر . وكان الخسف والحاصب والنكير على المكذبين الأولين . وكان إمساك الطير في السماء . وكان القهر والاستعلاء . وكان الرزق كما يشاء . وكان الإنشاء وهبة السمع والأبصار والأفئدة . وكان الذرء في الأرض والحشر . وكان الاختصاص بعلم الآخرة . وكان عذاب الكافرين . وكان الماء الذي به الحياة وكان الذهاب به عندما يريد . .

فكل حقائق السورة وموضوعاتها ، وكل صورها وإيحاءاتها مستمدة من إيحاء ذلك المطلع ومدلوله الشامل الكبير : ( تبارك الذي بيده الملك ، وهو على كل شيء قدير ) ! !

وحقائق السورة وإيحاءاتها تتوالى في السياق ، وتتدفق بلا توقف ، مفسرة مدلول المطلع المجمل الشامل ، مما يصعب معه تقسيمها إلى مقاطع ! ويستحسن معه استعراضها في سياقها بالتفصيل :

( تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير ) . .

هذه التسبيحة في مطلع السورة توحي بزيادة بركة الله ومضاعفتها ، وتمجيد هذه البركة الرابية الفائضة . وذكر الملك بجوارها يوحي بفيض هذه البركة على هذا الملك ، وتمجيدها في الكون بعد تمجيدها في جناب الذات الإلهية . وهي ترنيمة تتجاوب بها أرجاء الوجود ، ويعمر بها قلب كل موجود . وهي تنطلق من النطق الإلهي في كتابه الكريم ، من الكتاب المكنون ، إلى الكون المعلوم .

( تبارك الذي بيده الملك ) . . فهو المالك له ، المهيمن عليه ، القابض على ناصيته ، المتصرف فيه . . وهي حقيقة . حين تستقر في الضمير تحدد له الوجهة والمصير ؛ وتخليه من التوجه أو الإعتماد أو الطلب من غير المالك المهيمن المتصرف في هذا الملك بلا شريك ؛ كما تخليه من العبودية والعبادة لغير المالك الواحد ، والسيد الفريد !

( وهو على كل شيء قدير ) . . فلا يعجزه شيء ، ولا يفوته شيء ، ولا يحول دون إرادته شيء ، ولا يحد مشيئته شيء . يخلق ما يشاء ، ويفعل ما يريد ، وهو قادر على ما يريده غالب على أمره ؛ لا تتعلق بإرادته حدود ولا قيود . . وهي حقيقة حين تستقر في الضمير تطلق تصوره لمشيئة الله وفعله من كل قيد يرد عليه من مألوف الحس أو مألوف العقل أو مألوف الخيال ! فقدرة الله وراء كل ما يخطر للبشر على أي حال . . والقيود التي ترد على تصور البشر بحكم تكوينهم المحدود تجعلهم أسرى لما يألفون في تقدير ما يتوقعون من تغيير وتبديل فيما وراء اللحظة الحاضرة والواقع المحدود . فهذه الحقيقة تطلق حسهم من هذا الإسار . فيتوقعون من قدرة الله كل شيء بلا حدود . ويكلون لقدرة الله كل شيء بلا قيود . وينطلقون من أسر اللحظة الحاضرة والواقع المحدود .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

أهداف سورة الملك

( سورة الملك مكية ، وآياتها 30 آية ، نزلت بعد سورة الطور ) .

وسورة الملك لها من اسمها أكبر نصيب ، إنها سورة تعرض بركات الله في هذه الدنيا ، وقدرته العالية ، وحكمته السامية ، فهو الخالق الرزاق المهيمن ، المدبر الحكيم المبدع ، الذي أبدع كل شيء خلقه .

وتستلفت السورة نظر الإنسان إلى خلق الأرض ، وخلق السماء والطير والرزق ، والسمع والأبصار ، والموت والحياة ، والزرع والثمار ، والماء والهواء والفضاء .

وتحث القلب على التفكير والتأمل ، والنظر في ملكوت السماوات والأرض ، وتهيج فيه البحث والاستنباط ليصل بنفسه إلى التعرف على قدرة الله وجلاله ، وسابغ فضله على الناس أجمعين .

مطلع السورة :

مطلع السورة مطلع جامع يهز القلب هزا ، وينبه إلى بركات الله ونعمه وقدرته :

تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير . ( الملك : 1 ) .

وعن حقيقة الملك والقدرة ، تتفرع سائر الصور التي عرضتها السورة ، وسائر الحركات المغيبة والظاهرة ، والتي نبهت القلوب إليها .

( فمن الملك ومن القدرة كان خلق الموت والحياة ، وكان الابتلاء بهما ، وكان خلق السماوات وتزيينها بالمصابيح ، وجعلها رجوما للشياطين ، وكان إعداد جهنم بوصفها وهيئتها وخزنتها ، وكان العلم بالسر والجهر ، وكان جعل الأرض ذلولا للبشر ، وكان الخسف والحاصب والنكير على المكذبين ، وكان إمساك الطير في السماء ، وكان القهر والاستعلاء ، وكان الرزق كما يشاء ، وكان الإنشاء ، وهبة السمع والأبصار والأفئدة ، وكان الخلق في الأرض والحشر ، وكان الاختصاص بعلم الآخرة ، وكان عذاب الكافرين ، وكان الماء الذي به الحياة ، فكل حقائق السورة وموضوعاتها مستمدة من ذلك المطلع ومدلوله الشامل الكبير )i .

مع آيات السورة

1- تبدأ السورة بتمجيد الله سبحانه بقوله : تبارك الذي بيده الملك . . . ( الملك : 1 ) . فهو كثير البركة تفيض بركته على عباده ، وهو المالك المهيمن على الخلق ، وهو القادر قدرة مطلقة بلا حدود ولا قيود ، يخلق ما يشاء ، ويفعل ما يريد ، وهو على كل شيء قدير .

2- ومن آثار قدرته أنه خلق الموت السابق على الحياة واللاحق بها ، وخلق الحياة وهي تشمل الحياة الأولى والحياة الآخرة ، ليمتحن الإنسان بالوجود والاختيار والعقل والكسب ، حتى يعمل في الحياة الأولى ليرى جزاء عمله في الحياة الآخرة .

3- يوجه القرآن النظر إلى خلق السماوات السبع ، ويذكر أنها طبقات على أبعاد متفاوتة ، وليس في خلقها خلل ولا اضطراب . وانظر إليها بعينيك فهل تستطيع أن تجد بها نقصا أو عيباّ ؟

4- تأمل كثيرا في هذا الكون وشاهد عجائبه ، فلن تجد فيه إلا الإبداع والتنسيق ، والضبط والإحكام .

5- لقد رفع الله السماء الدنيا ، وخلق فيها الكواكب والنجوم زينة السماء ، وهداية للمسافرين ، وهذه النجوم منها الباهر الزاهر والخافت ، والمنفرد والمجتمع ، ولكل نجم مكان ومسار وطريق خاص ، وهذه النجوم منها شهب تنزل على الشياطين الذين يحاولون استراق السمع ، والتنصت على كلام الملائكة ، فيرجمون بالشهب التي تقتلهم أو تخبلهم .

6- ومن كفر بالله فإنه يستحق عذاب جهنم ، وبئس هذا المصير .

7- إن جهنم تتميز غيظا على من عصى الله ، وتغلي وتفور حنقا على الكفار .

8- كلما ألقى جماعة من الكفار في النار ، سألهم خزنة جهنم : ألم يأتكم رسول ينذركم هول هذا اليوم ؟

9- ويجيب الكفار بأن الرسول قد جاءنا ، ولكن العمى أضلنا فكذبنا بالرسول ، وقلنا : ما أنزل الله من وحي ولا رسالة ، واتهمنا الرسول بالضلال والكذب .

10- ولو حكمنا عقلنا وسمعنا لاهتدينا إلى الحق وآمنا ، وحفظنا أنفسنا من هذا الهلاك ومن هذا العذاب .

11- لقد جاء هذا الاعتراف بالذنب متأخرا في غير وقته ، فسحقا وعذابا لأصحاب جهنم ، حيث لا يؤمنون إلا بعد فوات الأوان .

12- إن المؤمن يحس برقابة الله عليه ، ويخشى عقابه وإن لم يره بعينه ، أو يخشى ربه وهو في خفية عن الأعين ، غائب عن أعين الناس . وله مغفرة وأجر كبير جزاء عمله .

13- ما يفعله العبد مكشوف أما الله ، وسيان أجهرتم بأقوالكم أم أسررتم بها فالله مطلع عليها .

14- ألا يعلم الخالق الأشياء التي خلقها ؟ وهو سبحانه عالم بخفيات الأمور ودقائقها ، وهو اللطيف الخبير .

15- ثم ينتقل بهم السياق من ذوات أنفسهم إلى الأرض التي خلقها الله لهم وذللها وأودعها أسباب الحياة .

فهذه الأرض تدور حول نفسها بسرعة ألف ميل في الساعة ، ثم تدور حول الشمس بسرعة حوالي خمسة وستين ألف ميل في الساعة ، ومع هذه السرعة يبقى الإنسان على ظهرها آمنا مستريحا مطمئنا .

وقد جعل الله الهواء المحيط بالأرض محتويا للعناصر التي تحتاج إليها الحياة بالنسب الدقيقة اللازمة . فنسبة الأكسجين 21% ونسبة الأزوت أو النتروجين 78% والبقية من ثاني أكسيد الكربون وعناصر أخرى . وهذه النسب هي اللازمة لقيام الحياة على الأرض .

وحجم الأرض وحجم الشمس وحجم القمر ، وبعد الأرض عن الشمس والقمر ، كل ذلك بنسب لازمة لاستمرار الحياة على ظهر الأرض .

إن الحيوان يستنشق الهواء فيمتص الأكسجين ويخرج ثاني أكسيد الكربون ، والنباتات تمتص ثاني أكسيد الكربون ، وبكيمياء سحرية يغذى النبات نفسه ، ويخرج الأكسجين الذي نتنفسه وبدونه تنتهي الحياة بعد خمس دقائق ، ولو كانت هذه المقايضة غير موجودة ، فإن الحياة الحيوانية أو النباتية كانت تستنفد في النهاية كل الأكسجين أو كل ثاني أكسيد الكربون تقريبا ، ومتى انقلب التوازن تماما ذوى النبات أو مات الإنسان .

والأرزاق المخبوءة في جوف الأرض من معادن جامدة وسائلة كلها ترجع إلى طبيعة تكوين الأرض والأحوال التي لابستها ، والله يتفضل على الإنسان بتخسير الأرض والنبات والفضاء والهواء له : فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه . . . ( الملك : 15 ) . وإلى الله النشور والرجوع في يوم الحساب .

16 ، 17- هذه الأرض الذلول التي يأمن الإنسان عليها ويهدأ ويستريح تتحول –إذا أراد الله- إلى دابة جامحة فيها الزلازل والبراكين ، كما يمكن أن ينزل الله الصواعق والعواصف الجامحة التي تعصف بالإنسان وتدمره : ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء . . . ( الرعد : 13 ) .

18- ولقد كذب الكفار السابقون رسلهم ، فعاقبهم الله أشد العقوبة ، لقد غرق قوم نوح ، وأهلكت ثمود بصاعقة ، وأهلكت عاد بريح عاتية ، وأهلك فرعون وقومه بالغرق في بحر القلزم ( البحر الأحمر ) .

إن الإنسان قوى بالقدر الذي وهبه الله من القوة ، ولكن هذا الكون الهائل زمامه في يد خالقه ، ونواميسه من صنعه ، وما يصيب الإنسان منها مقدر مرسوم ، إنا كل شيء خلقناه بقدر . ( القمر : 49 ) .

19- فليتأمل الإنسان أسراب الطير ترتفع وتنخفض ، وتبسط أجنحتها وتقبضها ، في حركة ممتعة تدعو إلى التأمل والتدبر ، فقدرة الله ممسكة بهذا الطائر ، في قبضه وبسطه ، والله سبحانه ييسر له أمره ، ويهيئ وينسق ويعطي القدرة ، ويرعى كل شيء في كل لحظة ، رعاية الخبير البصير .

20- من هذا الذي يحميكم من بطش الله وغضبه ؟ من هذا الذي يدفع عنكم بأس الرحمان إلا الرحمان ؟ إن الكافر في غرور ، يظن أنه آمن بعيد عن بطش الله به ، وما هو ببعيد .

21- من يرزق البشر إن أمسك الله الماء ، أو أمسك الهواء ، أو أمسك الحياة عنهم ؟ إن بعض النفوس تعرض عن الله في طغيان وتبجج ونفور ، مع أنها تعيش عالة على الله في حياتها ورزقها .

22- ترسم الآية مشهد جماعة يمشون على وجوههم ، أو يتعثرون وينكبون على وجوههم لا هدف لهم ولا طريق ، ومشهد جماعة أخرى تسير مرتفعة الهامات مستقيمة الخطوات في طريق مستقيم لهدف مرسوم ، ثم تستفهم أيهما أهدى ؟ .

23 – لقد خلق الله الناس ، وجعل لهم السمع ليسمعوا ، والأبصار ليروا ، والأفئدة ليتفكروا في جليل قدرة الله ، ولكن الإنسان قلما يفكر في شكر نعمة الله عليه ، وامتثال أمره واجتناب نواهيه ، والاعتراف له بالفضل والمنة .

( ويذكر العلم أن حاسة السمع تبدأ بالأذن الخارجية ، والصوت ينتقل منها إلى طبلة الأذن ثم ينتقل إلى التيه داخل الأذن ، والتيه يشتمل على أربعة آلاف قوس صغيرة ، متصلة بعصب السمع في الرأس ، وفي الأذن مائة ألف خلية سمعية ، وتنتهي الأعصاب بأهداب دقيقة ، دقة وعظمة تحير الألباب .

ومركز حاسة الإبصار العين ، التي تحتوي على مائة وثلاثين مليونا من مستقبلات الضوء ، وهي أطراف أعصاب الإبصار ، وتتكون العين من الصلبة والقرنية والمشيمة والشبكية . . وذلك بخلاف العدد الهائل من الأعصاب والأوعية )ii .

أما الأفئدة فهي هذه الخاصية التي صار بها الإنسان إنسانا ، وهي قوة الإدراك والتمييز ، والمعرفة التي استخلف الله بها الإنسان في هذا الملك العريض .

24- إن ربكم هو الذي برأكم في الأرض ، وبعثكم في أرجائها على اختلاف ألسنتكم وألوانكم ، وأشكالكم وصوركم ، وكما بدأكم يعيدكم ، وإليه تحشرون وترجعون .

25- ويسألون سؤال الشاك المستريب عن يوم الجزاء والحساب .

26- قل علم هذا اليوم عند الله ، وما علي إلا البلاغ والبيان ، أما العلم فعند صاحب العلم ، الواحد بلا شريك .

27- ولو أذن الله لرأى البشر يوم الحساب واقعا لا محالة ، وعند هذه المفاجأة ورؤية الحساب والجزاء ، سيظهر الحزن والاستياء عليهم ، وتؤنبهم الملائكة ، وتقول لهم : هذا هو اليوم الذي كنتم تستعجلون وقوعه . والآية جرت على طريقة القرآن في عرض ما سيكون حاضرا مشاهدا ، بمفاجأة شعورية تصويرية ، تقف المكذب والشاك وجها لوجه مع مشهد حاضر لما يكذب به أو يشك فيه .

28- روى أن كفار مكة كانوا يتربصون بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يهلك فيستريحوا منه ومن دعوته ، فقال لهم القرآن : سواء أهلك النبي حسب أمانيهم ، أو رحمه الله ومن معه ، فلن يغير ذلك من وضعهم ، لأن عذابا أليما ينتظرهم ، ولن تجيرهم الأصنام ، ولن يجيرهم من الرحمان إلا الإيمان .

29- إن المؤمنين في قربى من الرحمان ، فهم يؤمنون به ويتوكلون عليه ، وهم موصولون بالله ، منتسبون إليه . وسيتبين للكافرين من الضال ومن المهتدي ، ولمن تكون العاقبة في الدنيا والآخرة .

30- أخبروني إن ذهب ماؤكم في الأرض ، ولم تصل إليه الدلاء ، من يأتيكم بماء جار نابع فائض متدفق ، تشربونه عذبا زلالا .

وهكذا تختم السورة بهذه اللمسة القريبة من القلب ، تذكره بفضل الله الذي أجرى الماء ، ولو شاء لحرم الإنسان مصدر الحياة ، ولا ينقذ الإنسان من الله إلا الله ، قال تعالى : ففرّوا إلى الله . . . ( الذاريات : 50 ) .

المعنى الإجمالي للسورة

قال الفيروزبادي :

معظم مقصود السورة : بيان استحقاق الله الملك ، وخلق الحياة والموت للتجربة والاختبار ، والنظر إلى السماوات للعبرة ، واشتعال النجوم والكواكب للزينة ، وما أعد للمنكرين من العذاب والعقوبة ، وما وعد به المتقون من الثواب والكرامة ، وتأخير العذاب عن المستحقين بالفضل والرحمة ، وحفظ الطيور في الهواء بكمال القدرة ، واتصال الرزق إلى الخليقة بالنوال والمنة ، وبيان حال أهل الضلالة والهداية ، وتعجيل الكفار بمجيء يوم القيامة ، وتهديد المشركين بزوال النعمة بقوله : فمن يأتيكم بماء معين . ( الملك : 30 ) .

أسماء السورة

لسورة تبارك في القرآن والسنة سبعة أسماء :

( سورة الملك لمفتتحها . والمنجية لأنها تنجي قارئها من العذاب . والمانعة لأنها تمنع قارئها من عذاب القبر . والدافعة لأنها تدفع بلاء الدنيا وعذاب الآخرة عن قارئها . والشافعة لأنها تشفع في القيامة لقارئها . والمجادلة لأنها تجادل منكرا ونكيرا ، فتناظرهما كيلا يؤذيا قارئها ، والمخلصة لأنها تخاصم زبانية جهنم ، لئلا يكون لهم يد على قارئها )iii .

وفي شأن السورة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية ، شفعت لرجل فأخرجته من النار وأدخلته الجنة ، وهي سورة تبارك )iv .

من دلائل القدرة

بسم الله الرحمان الرحيم

{ تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير 1 الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور 2 الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور 3 ثم ارجع البصر كرّتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير 4 ولقد زيّنّّّا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير5 }

المفردات :

تبارك : تعالى وتمجّد ، أو تكاثر خيره .

الذي بيده الملك : له الأمر والنهي والسلطان .

1

التفسير :

1-تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير .

تعاظمت بركة الله تعالى ، فهو سبحانه مالك الملك ، يعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء ، بيده الخلق والأمر ، كل يوم هو في شأن ، يضع رفيعا ويرفع وضيعا ، يفقر غنيّا ويغني فقيرا ، يبتلي معافى ويعافي مبتلى ، يخفض أقواما ويرفع آخرين .

وهو على كل شيء قدير .

هو سبحانه القادر على كلّ شيء ، له القدرة التامة ، والتصرف الكامل في كلّ الأمور ، من غير منازع ولا مدافع .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الملك مكية وآياتها ثلاثون ، نزلت بعد سورة الطور . ويحتوي هذا الجزء على إحدى عشرة سورة ، كلها مكية ما عدا سورة الإنسان فإنها مدنية ، وكانت سور الجزء الذي قبله كلها مدنية . وفيه بعض سور من أوائل ما نزل من القرآن مثل المدثر ، والمزمّل والقلم . وقد سميت من قوله تعالى { تبارك الذي بيده الملك } وتسمى " الواقية " و " المنجية " لأنها تقي قارئها من عذاب القبر ، لما روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " هي المانعة ، وهي المنجية ، تنْجي من عذاب القبر " .

وموضوع السورة كشأن سائر السور المكية التي تعالج موضوع العقيدة في أصولها الكبرى . وقد تناولت أهدافا رئيسية ثلاثة هي : إثبات عظمة الله ، وقدرته على الخلق والحياة والموت .

وإقامة الأدلة على وحدانية رب العالمين .

وبيان عاقبة المكذبين الجاحدين .

فقد وُجّهت الأفكار في مطلع السورة إلى آثار قدرة الله الباهرة في الأنفس والآفاق ، وذكرت أن الله تعالى بيده المُلك والسلطان ، وهو المتصرف في هذا الكون العجيب الواسع ، وفي الكائنات بالخلق والإيجاد ، والإحياء والإماتة . وأكدت على الناس أن يفكروا في هذا الكون وما فيه من عجائب . وهنا يكرر التأكيد { ثم ارجع البصر كرّتين . . . } .

وهي تهز في النفوس جميع الصور والانطباعات والرواسب الجامدة المتخلفة من تصور الجاهلية وركودها ، وتطلق الحواس والعقل والبصيرة لترتاد آفاق الكون وأغوار النفس ، وطباق الجو ، ومسارب الماء ، وخفايا الغيوب ، فترينا يد الله المبدعة { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح } . ويُحس المرء حركة الوجود المنبعثة من قدرة الله ، وعندما يتأمل في ذلك كله يجد أن الأمر أكبر ، وأن المجال أوسع ، وأن التسليم أسلم . وكانت الحياة الدنيا تبدو في نظر أهل الجاهلية غاية الوجود ، ونهاية المطاف . وتكشف السورة الستار عن عالم آخر ما كانوا يعلمون عنه شيئا ، فتحدثهم عن الآخرة وما فيها من مواقف وعذاب وجزاء ، وتنبه إلى أن الظاهر من الدنيا ليس كل شيء ، فتشدّد أنظارهم وقلوبهم إلى عالم الغيب وإلى السماء والقدرة التي لم ترها عين ، ولم تخطر لهم على بال .

ثم يمنّ الله على هذا الخلق بأنه جعل هذه الأرض ذلولا لهم { فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور } ، والطير في السماء يرونها فوقهم باسطات أجنحتهنّ ، ولولا أن الله يمسكهن لوقعن على الأرض .

ثم تتحدث السورة عن نعم الله التي لا تحصى على الإنسان ، ومع ذلك

لا يصدّقون ويقولون : { متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ؟ } . ويأتي الرد بلطافة ورزانة وأناة { قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين } .

والله سبحانه وتعالى دائما هو الرحمن الرحيم { قل هو الرحمن آمنا به ، وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين } .

ويأتي في ختام السورة إنذار شديد لهؤلاء المكذبين { قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين } .

ومفتاح السورة كلها ، ومحورها الذي تشدّ إليه تلك الحركة فيها ، هو مطلعها العظيم الجامع الموحي : { تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير } .

تبارك : تعالى ربنا عما لا يليق به .

بيده الملك : له التصرف المطلق في هذا الكون .

افتتح الله تعالى هذه السورةَ الكريمة بتمجيد نفسه ، وأخبر أنّ بيدِه الملكَ والتصرفَ في جميع المخلوقات { وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

مكية وهي ثلاثون آية

{ تبارك } أي تعالى وتعظم { الذي بيده الملك } يؤتيه من يشاء وينزعه عمن يشاء

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية وهي ثلاثون آية واسمها الواقية والمنجية والمانعة . فهي تقي صاحبها وتنجيه من عذاب النار وتمنعه من عذاب القبر . والسورة حافلة بألوان مثيرة وعجاب من المواعظ وصور التذكير والتحذير . وفيها من أخبار النار وما يكابده فيها العصاة والخاسرون من ضروب التنكيل ما يخيف القلب ويستديم في النفس طول التذكير والحذر . وهي مبدوءة بالإخبار من الله عن عظيم صنعه وبالغ قدرته في هذا الكون المنتظم الرتيب الذي لا خلل فيه ولا نشاز ولا تفاوت . كون هائل شاسع مديد ، في غاية التماسك والتكامل والانسجام . وفي ذلك من عظيم البرهان ما يكشف عن عظمة الخالق المقتدر وأنه الإله الصانع الحكيم ، المنفرد في الخلق والإلهية .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير 1 الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور 2 الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت فارجع البصر هلى ترى من فطور 3 ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير 4 ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير } .

ذلك تعظيم من الله لنفسه المباركة ، فهو الله الغالب المقتدر ، الذي خلق الكون والحياة والإنسان ، وخلق السماوات السبع في غاية الإحكام والانتظام والجمال . وهو قوله سبحانه : { تبارك الذي بيده الملك } يعني تقدس الله وتعاظم ، الذي بيده مقاليد كل شيء وفي قبضته وسلطانه ملكوت السماوات والأرض . وهو سبحانه لا يعز عليه أن يفعل في الخلق ما يشاء .