في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (52)

43

( وقالوا : آمنا به ) . . الآن بعد فوات الأوان . . ( وأنّى لهم التناوش من مكان بعيد ? )وكيف يتناولون الإيمان من مكانهم هذا . ومكان الإيمان بعيد عنهم فقد كان ذلك في الدنيا ، فضيعوه !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (52)

{ وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد } .

المفردات :

التناوش : تناول الإيمان والتوبة .

مكان بعيد : هو الآخرة إذ أماكن الإيمان هو الدنيا .

التفسير :

في يوم القيامة ويوم البعث ومشاهدة الحساب لا يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأنى وكيف يتأتى لهم تناول الإيمان تناولا سهلا من مكان بعيد عن محل القبور ؟ لأن الدار الآخرة هي دار الجزاء والدنيا هي دار العمل وفي الأثر : " الدنيا عمل ولا حساب والآخرة حساب ولا عمل " .

قال الفخر الرازى :

الماضي كالأمس الدابر لا يمكن الوصول إليه والمستقبل وإن كان بينه وبين الحاضر سنون فإنه آت وفي يوم القيامة الدنيا بعيدة لمضيها وفي الدنيا يوم القيامة قريب لإتيانه .

قال تعالى : { لعل الساعة قريب } ( الشورى : 18 )

وقوله تعالى : { من مكان بعيد } والمراد : ما مضى من الدنيا . اه .

وبعبارة أخرى : كما أن رجوع الزمان الماضي من الدنيا بعيد أو مستحيل فكذلك قبول الإيمان في الآخرة بعيد أو مستحيل .

وفي الأدب العربي : أن كليبا لما قتل رغبت قبيلة القاتل في الصلح فأرسلت إلى أخيه جساس تعرض عليه الصلح نظيرا أن ينفذوا له ما يطلب فقال جساس : ( انشروا لي كليبا ) أي : طلب أمرا مستحيلا وهو إعادة كليبا حيا حتى يصطلح ومن شعر جساس :

يا لبكر اشروا كليبا *** يا لبكر أين أين الفرار

أو يكون معنى الآية : الإيمان لا يقبل إلا في الدنيا والعودة إلى الدنيا مستحيلة فأنى لهم الإيمان من مكان بعيد عن الدنيا وأنى لهم العودة إلى الدنيا .

وفي سورة المؤمنون : { ربنا أخرجنا منها فأن عدنا فإنا ظالمون* قال أخسئوا فيها ولا تكلمون } ( المؤمنون : ( 107-108 ) .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَقَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ مِن مَّكَانِۭ بَعِيدٖ} (52)

قوله تعالى : " وقالوا آمنا به " أي القرآن . وقال مجاهد : بالله عز وجل . الحسن : بالبعث . قتادة : بالرسول صلى الله عليه وسلم " وأنى لهم التناوش من مكان بعيد " قال ابن عباس والضحاك : التناوش الرجعة ، أي يطلبون الرجعة إلى الدنيا ليؤمنوا ، وهيهات من ذلك ! ومنه قول الشاعر :

تمنى أن تؤوبَ إليّ مَيٌّ*** وليس إلى تناوشِهَا سبيل

وقال السدي : هي التوبة ، أي طلبوها وقد بعدت ، لأنه إنما تقبل التوبة في الدنيا . وقيل : التناوش التناول . قال ابن السكيت : يقال للرجل إذا تناول رجلا ليأخذ برأسه ولحيته : ناشه ينوشه نوشا . وأنشد :

فهي تنوش الحوض نَوْشًا من عَلاَ *** نوشًا به تقطع أجوازَ الفَلاَ{[13082]}

أي تتناول ماء الحوض من فوق وتشرب شربا كثيرا ، وتقطع بذلك الشرب فلوات فلا تحتاج إلى ماء آخر . قال : ومنه المناوشة في القتال ؛ وذلك إذا تدانى الفريقان . ورجل نووش أي ذو بطش . والتناوش . التناول : والانتياش مثله . قال الراجز :

كانت تنوش العَنَقَ انتياشا

قوله تعالى : " وأنى لهم التناوش من مكان بعيد " يقول : أنى لهم تناول الإيمان في الآخرة وقد كفروا في الدنيا . وقرأ أبو عمرو والكسائي والأعمش وحمزة : " وأنى لهم التناوش " بالهمز . النحاس : وأبو عبيدة يستبعد هذه القراءة ؛ لأن " التناوش " بالهمز البعد ، فكيف يكون : وأنى لهم البعد من مكان بعيد . قال أبو جعفر : والقراءة جائزة حسنة ، ولها وجهان في كلام العرب ، ولا يتأول بها هذا المتأول البعيد . فأحد الوجهين أن يكون الأصل غير مهموز ، ثم همزت الواو لأن الحركة فيها خفية ، وذلك كثير في كلام العرب . وفي المصحف الذي نقلته الجماعة عن الجماعة " وإذا الرسل أقتت " {[13083]} [ المرسلات : 11 ] والأصل " وقتت " لأنه مشتق من الوقت . ويقال في جمع دار : أدؤر . والوجه الآخر ذكره أبو إسحاق قال : يكون مشتقا من النئيش وهو الحركة في إبطاء ، أي من أين لهم الحركة فيما قد بعد ، يقال : نأشت الشيء أخذته من بعد والنئيش : الشيء البطيء . قال الجوهري : التناؤش ( بالهم ) التأخر والتباعد . وقد نأشت الأمر أنأشه نأشا أخرته ؛ فانتأش . ويقال : فعله نئيشا أي أخيرا . قال الشاعر :

تمنّى نئيشا أن يكون أطاعني *** وقد حدثت{[13084]} بعد الأمور أمور

وقال آخر :

قعدت زمانا عن طلابك للعلا *** وجئت نئيشا بعدما فاتك الخُبْرُ{[13085]}

وقال الفراء : الهمز وترك الهمز في التناؤش متقارب . مثل : ذمت{[13086]} الرجل وذأمته أي عبته . " من مكان بعيد " أي من الآخرة . وروى أبو إسحاق عن التميمي عن ابن عباس قال : " وأنى لهم " قال : الرد ، سألوه وليس بحين رد .


[13082]:البيت لغيلان بن حريث: والضمير في قوله "فهي" للإبل. وتنوش الحوض: تتناول ملأه. وقوله:" من علا" أن من فوق. يريد أنها عالية الأجسام طوال الأعناق، وذلك النوش الذي تناله هو الذي يعينها على قطع الفلوات. والأجواز: جمع جوز وهو الوسط.
[13083]:راجع ج 19 ص 155.
[13084]:في اللسان مادة نأش:" ويحدث من بعد...".
[13085]:في ش، ك:" الخير" بالياء المثناة.
[13086]:في اللسان: ذامه يذيمه ذيما وذاما عابه، وذمته أذيمه وأذمته وذممته، كله بمعنى.