في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِّنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَمَن يُعۡرِضۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِۦ يَسۡلُكۡهُ عَذَابٗا صَعَدٗا} (17)

وإلى هنا كان الوحي يحكي قول الجن بألفاظهم المباشرة عن أنفسهم ؛ ثم عدل عن هذا النسق إلى تلخيص مقالة لهم عن فعل الله مع الذين يستقيمون على الطريقة إليه ، وذكرها بفحواها لا بألفاظها :

( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ، ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا ) . .

يقول الله - سبحانه - إنه كان من مقالة الجن عنا : ما فحواه أن الناس لو استقاموا على الطريقة ، أو أن القاسطين لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم نحن ماءا موفورا نغدقه عليهم ، فيفيض عليهم بالرزق والرخاء . . ( لنفتنهم فيه ) . . ونبتليهم أيشكرون أم يكفرون .

وهذا العدول عن حكاية قول الجن إلى ذكر فحوى قولهم في هذه النقطة ، يزيد مدلولها توكيدا بنسبة الإخبار فيها والوعد إلى الله سبحانه . ومثل هذه اللفتات كثير في الأسلوب القرآني ، لإحياء المعاني وتقويتها وزيادة الانتباه إليها .

وهذه اللفتة تحتوي جملة حقائق ، تدخل في تكوين عقيدة المؤمن ، وتصوره عن مجريات الأمور وارتباطاتها .

والحقيقة الأولى : هي الارتباط بين استقامة الأمم والجماعات على الطريقة الواحدة الواصلة إلى الله ، وبين إغداق الرخاء وأسبابه ؛ وأول أسبابه توافر الماء واغدوداقه . وما تزال الحياة تجري على خطوات الماء في كل بقعة . وما يزال الرخاء يتبع هذه الخطوات المباركة حتى هذا العصر الذي انتشرت فيه الصناعة ، ولم تعد الزراعة هي المصدر الوحيد للرزق والرخاء . ولكن الماء هو الماء في أهميته العمرانية . .

وهذا الارتباط بين الاستقامة على الطريقة وبين الرخاء والتمكين في الأرض حقيقة قائمة . وقد كان العرب في جوف الصحراء يعيشون في شظف ، حتى استقاموا على الطريقة ، ففتحت لهم الأرض التي يغدودق فيها الماء ، وتتدفق فيها الأرزاق . ثم حادوا عن الطريقة فاستلبت منهم خيراتهم استلابا . وما يزالون في نكد وشظف ، حتى يفيئوا إلى الطريقة ، فيتحقق فيهم وعد الله .

وإذا كانت هناك أمم لا تستقيم على حقيقة الله ، ثم تنال الوفر والغنى ، فإنها تعذب بآفات أخرى في إنسانيتها أو أمنها أو قيمة الإنسان وكرامته فيها ، تسلب عن ذلك الغنى والوفر معنى الرخاء . وتحيل الحياة فيها لعنة مشؤومة على إنسانية الإنسان وخلقه وكرامته وأمنه وطمأنينته [ كما سبق بيانه في سورة نوح ] . .

والحقيقة الثانية التي تنبثق من نص هذه الآية : هي أن الرخاء ابتلاء من الله للعباد وفتنة . ونبلوكم بالشر والخير فتنة . والصبر على الرخاء والقيام بواجب الشكر عليه والإحسان فيه أشق وأندر من الصبر على الشدة ! على عكس ما يلوح للنظرة العجلى . . فكثيرون هم الذين يصبرون على الشدة ويتماسكون لها ، بحكم ما تثيره في النفس من تجمع ويقظة ومقاومة ؛ ومن ذكر لله والتجاء إليه واستعانة به ، حين تسقط الأسناد في الشدة فلا يبقى إلا ستره . فأما الرخاء فينسي ويلهي ، ويرخي الأعضاء وينيم عناصر المقاومة في النفس ، ويهيئ الفرصة للغرور بالنعمة والاستنامة للشيطان !

إن الابتلاء بالنعمة في حاجة ملحة إلى يقظة دائمة تعصم من الفتنة . . نعمة المال والرزق كثيرا ما تقود إلى فتنة البطر وقلة الشكر ، مع السرف أو مع البخل ، وكلاهما آفة للنفس والحياة . . . ونعمة القوة كثيرا ما تقود إلى فتنة البطر وقلة الشكر مع الطغيان والجور ، والتطاول بالقوة على الحق وعلى الناس ، والتهجم على حرمات الله . . ونعمة الجمال كثيرا ما تقود إلى فتنة الخيلاء والتيه وتتردى في مدارك الإثم والغواية . . ونعمة الذكاء كثيرا ما تقود إلى فتنة الغرور والاستخفاف بالآخرين وبالقيم والموازين . . وما تكاد تخلو نعمة من الفتنة إلا من ذكر الله فعصمه الله . .

والحقيقة الثالثة إن الإعراض عن ذكر الله ، الذي قد تنتهي إليه فتنة الابتلاء بالرخاء ، مؤد إلى عذاب الله . والنص يذكر صفة للعذاب ( يسلكه عذابا صعدا ) . . توحي بالمشقة مذ كان الذي يصعد في المرتفع يجد مشقة في التصعيد كلما تصعد . وقد درج القرآن على الرمز للمشقة بالتصعيد . فجاء في موضع : فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء . وجاء في موضع : سأرهقه صعودا . وهي حقيقة مادية معروفة . والتقابل واضح بين الفتنة بالرخاء وبين العذاب الشاق عند الجزاء !

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{لِّنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَمَن يُعۡرِضۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِۦ يَسۡلُكۡهُ عَذَابٗا صَعَدٗا} (17)

المفردات :

الطريقة : هي طريق الإسلام .

غدقا : كثيرا .

لنفتنهم فيه : لنختبرهم ، أيكفرون أم يشكرون .

يسلكه : يدخله .

صعدا : شاقّا ، يعلوه ويغلبه فلا يطيقه ، ومنه قول عمر : ( ما تصعّدني شيء كما تصعّدني في خطبة النكاح ) ، أي : ما شق عليّ .

التفسير :

16 ، 17- وألّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا* لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا .

يلتفت الخطاب ويتغير من الحديث على لسان الجن إلى خطاب موجّه من الله تعالى لنبيه وللبشرية كلها ، يدعوها إلى الهداية والإيمان بالله ، ويبين أن سعادة الدنيا والآخرة في طاعة اله ورسوله ، والتمسك بأهداف لتشريع الإلهي .

والمعنى :

لو أن الجن والإنس استقاموا على طريقة الإسلام لأغدق الله عليهم النّعم ، وحفّتهم بركات السماء ، فحيث يكون الماء يكون المال ، وحيث يكون المال تكون الفتنة والاختبار .

لنفتنهم فيه . . .

لنعاملهم معاملة المختبر ، حيث نعطيهم النعمة ونرى تصرّفهم حيالها .

ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا .

ومن أعرض عن هدى الله ، واختار العاجلة على الآجلة ، ترك الله قلبه للشقاء والعذاب المتصاعد الأليم ، الذي يعلوه ويغلبه ولا يطيق له حملا .

والآيتان تشيران إلى سنة من سنن الله ، وهي إسعاد من يختار طريق الهدى ، لأنه متناسق مع الكون ، خاضع لأمر الله ، متوافق مع سنن الله ، ومع نواميس الكون والحياة ، وأن من يعرض عن هداية الله وشرعه يصب بالتعاسة والعذاب الداخلي الذي لا يطيق حمله ، ولا التغلب عليه .

وقريب من ذلك قوله تعالى : ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون . ( الأنبياء : 105 ) .

وقوله عز شأنه : ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون . ( الأعراف : 96 ) .

وفي صحيح البخاري : ( إن هذا المال خضرة حلوة ، فمن أخذه بحقه فنعم المعونة هو ، ومن أخذه من غير حقّه كان كالذي يأكل ولا يشبع ، وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلمّ ، إلا آكلة الخضراء ، أكلت حتى إذا امتلأت خاصرتاها ( جنباها ) استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت )ii .

وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج لكم من زهرة الدنيا ) ، قالوا : وما زهرة الدنيا ؟ قال : ( بركات الأرض )iii .

وجاء في تفسير القرطبي : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( والله ما الفقر أخشى عليكم ، وإنما أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم ، فتنافسوها كما تنافسوها ، فتهلككم كما أهلكتهم )iv .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لِّنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَمَن يُعۡرِضۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِۦ يَسۡلُكۡهُ عَذَابٗا صَعَدٗا} (17)

{ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي : لنختبرهم فيه ونمتحنهم ليظهر الصادق من الكاذب .

{ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا } أي : من أعرض عن ذكر الله ، الذي هو كتابه ، فلم يتبعه وينقد له ، بل غفل عنه ولهى ، يسلكه عذابا صعدا أي : شديدا بليغا .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{لِّنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَمَن يُعۡرِضۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِۦ يَسۡلُكۡهُ عَذَابٗا صَعَدٗا} (17)

وقوله تعالى :{ لنفتنهم فيه } أي : لنختبرهم كيف شكرهم فيما خولوا . وهذا قول سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والضحاك وقتادة ومقاتل والحسن . وقال آخرون : معناه وأن لو استقاموا على طريقة الكفر والضلالة لأعطيناهم مالاً كثيراً ، ولوسعنا عليهم لنفتنهم فيه ، عقوبةً لهم واستدراجاً حتى يفتتنوا بها فنعذبهم ، وهذا قول الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان ، كما قال الله : { فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء } الآية ( الأنعام- 44 ) . { ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه } قرأ أهل الكوفة ويعقوب : { يسلكه } بالياء وقرأ الآخرون بالنون ، أي : ندخله ، { عذاباً صعداً } قال ابن عباس : شاقاً ، والمعى ذا صعد ، أي : ذا مشقة . قال قتادة : لا راحة فيه . وقال مقاتل : لا فرح فيه . قال الحسن : لا يزداد إلا شدة . والأصل فيه أن الصعود يشق على الإنسان .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{لِّنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَمَن يُعۡرِضۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِۦ يَسۡلُكۡهُ عَذَابٗا صَعَدٗا} (17)

" لنفتنهم فيه " أي لنختبرهم كيف شكرهم فيه على تلك النعم . وقال عمر في هذه الآية : أينما كان الماء كان المال ، وأينما كان المال كانت الفتنة . فمعنى " لأسقيناهم " لوسعنا عليهم في الدنيا ، وضرب الماء الغدق الكثير لذلك مثلا ؛ لأن الخير والرزق كله بالمطر يكون ، فأقيم مقامه ، كقوله تعالى : " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض " [ الأعراف : 96 ] وقوله تعالى : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " [ المائدة : 66 ] أي بالمطر . والله أعلم . وقال سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والضحاك وقتادة ومقاتل وعطية وعبيد بن عمير والحسن : كان والله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين ، ففتحت عليهم كنوز كسرى وقيصر والمقوقس والنجاشي ، ففتنوا بها ، فوثبوا على إمامهم فقتلوه . يعني عثمان بن عفان .

وقال الكلبي وغيره : " وأن لو استقاموا على الطريقة " التي هم عليها من الكفر فكانوا كلهم كفارا لوسعنا أرزاقهم مكرا بهم واستدراجا لهم ، حتى يفتتنوا بها ، فنعذبهم بها في الدنيا والآخرة . وهذا قول قال الربيع بن أنس وزيد بن أسلم وابنه والكلبي والثمالي ويمان بن رباب وابن كيسان وأبو مجلز ، واستدلوا بقوله تعالى : " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء " [ الأنعام : 44 ] الآية . وقوله تعالى : " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة " [ الزخرف : 33 ] الآية ؛ والأول أشبه ؛ لأن الطريقة معرفة بالألف واللام ، فالأوجب أن تكون طريقته طريقة الهدى ؛ ولأن الاستقامة لا تكون إلا مع الهدى .

وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا ) قالوا : وما زهرة الدنيا ؟ قال : ( بركات الأرض ) وذكر الحديث . وقال عليه السلام : ( فوالله ما الفقر أخشى عليكم ، وإنما أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من{[15464]} قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم ) .

قوله تعالى : " ومن يعرض عن ذكر ربه " يعني القرآن ، قاله ابن زيد . وفي إعراضه عنه وجهان : أحدهما عن القبول ، إن قيل إنها في أهل الكفر . الثاني عن العمل ، إن قيل إنها في المؤمنين . وقيل : " ومن يعرض عن ذكر ربه " أي لم يشكر نعمه " يسلكه عذابا صعدا " قرأ الكوفيون وعياش عن أبي عمرو " يسلكه " بالياء واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ؛ لذكر اسم الله أولا فقال : " ومن يعرض عن ذكر ربه " . الباقون " نسلكه " بالنون . وروي عن مسلم بن جندب ضم النون وكسر اللام . وكذلك قرأ طلحة والأعرج وهما لغتان ، سلكه وأسلكه بمعنى ، أي ندخله . " عذابا صعدا " أي شاقا شديدا . قال ابن عباس : هو جبل ، في جهنم . أبو سعيد الخدري{[15465]} : كلما جعلوا أيديهم عليه ذابت . وعن ابن عباس : أن المعنى مشقة من العذاب . وذلك معلوم في اللغة أن الصعد : المشقة ، تقول : تصعدني الأمر : إذا شق عليك ، ومنه قول عمر : ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح ، أي ما شق علي . وعذاب صعد أي شديد .

والصعد : مصدر صعد ، يقال : صعد صعدا وصعودا ، فوصف به العذاب ؛ لأنه يتصعد المعذب أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه . وقال أبو عبيدة : الصعد مصدر ، أي عذابا ذا صعد ، والمشي في الصعود يشق . والصعود : العقبة الكؤود . وقال عكرمة : هو صخرة ملساء في جهنم يكلف صعودها ، فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم . وقال الكلبي : يكلف الوليد بن المغيرة أن يصعد جبلا في النار من صخرة ملساء ، يجذب من أمامه بسلاسل ، ويضرب من خلفه بمقامع حتى يبلغ أعلاها ، ولا يبلغ في أربعين سنة . فإذا بلغ أعلاها أحدر إلى أسفلها ، ثم يكلف أيضا صعودها ، فذلك دأبه أبدا ، وهو قوله تعالى : " سأرهقه صعودا " [ المدثر : 17 ] .


[15464]:الزيادة من صحيح الترمذي.
[15465]:زيادة من أ، ح ، ل.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{لِّنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَمَن يُعۡرِضۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِۦ يَسۡلُكۡهُ عَذَابٗا صَعَدٗا} (17)

ولما كانت نعمه فضلاً منه وليس مستحقة عليه بعبادة ولا غيرها ، قال تعالى معرفاً /أن غايتها استحقاق الثواب أو العقاب على ما كتبه على نفسه سبحانه ولا {[69162]}يبدل القول لديه{[69163]} وأن جميع ما يعامل به عباده سبحانه وتعالى من نفع وضر إنما هو فتنة لهم يستخرج ما جبلوا عليه من حسن أو قبيح : { لنفتنهم } أي نعاملهم معاملة المختبر بما لنا من العظمة { فيه } أي في ذلك الماء الذي تكون عنه أنواع النعم لينكشف حال الشاكر والكافر{[69164]} ، قال الرازي : وهذا بعد ما حبس عنهم المطر سنين{[69165]} - انتهى . وقال غيره : قال عمر رضي الله تعالى عنه : أينما كان الماء كان المال ، وأينما كان المال كانت الفتنة . وقال الحسن وغيره : كانوا سامعين مطيعين ففتحت عليهم كنوز كسرى وقيصر ففتنوا بها فوثبوا بإمامهم فقتلوه - يعني عثمان رضي الله تعالى عنه ويجوز أن يكون مستعاراً للعلم وأنواع المعارف الناشئة عن العبادات التي هي للنفوس كالنفوس للأبدان و{[69166]}تكون الفتنة بمعنى التخليص {[69167]}من الهموم الرذائل{[69168]} في الدنيا والنقم في الآخرة ، من فتنت الذهب{[69169]} - إذا خلصته{[69170]} من غشه{[69171]} .

ولما كان التقدير : فمن يقبل على ذكر ربه ننعمه {[69172]}في دار السلام{[69173]} أبداً ، عطف عليه قوله : { ومن يعرض } أي إعراضاً مستمراً إلى الموت { عن ذكر ربه } أي مجاوزاً عن عبادة المحسن إليه المربي له الذي لا إحسان عنده من غيره { نسلكه{[69174]} } أي ندخله { عذاباً } يكون مطرفاً{[69175]} له كالخيط يكون{[69176]} في ثقب الخرزة في غاية الضيق { صعداً * } أي شاقاً شديداً يعلوه ويغلبه ويصعد عليه ، ويكون كل يوم أعلى مما قبله جزاء وفاقاً ، فإن الإعراض كلما تمادى زمانه كان أقوى مما كان .


[69162]:- من ظ وم، وفي الأصل: ما.
[69163]:- من ظ وم، وفي الأصل: لدى.
[69164]:- زيدت الواو في الأصل ولم نكن في ظ وم فحذفناها.
[69165]:- راجع أيضا قول مقاتل في المعالم 7/ 134.
[69166]:- من ظ وم، وفي الأصل: أو.
[69167]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالعموم.
[69168]:- من ظ وم، وفي الأصل: بالعموم.
[69169]:- في ظ: فتنة.
[69170]:- من ظ وم، وفي الأصل: خلصت.
[69171]:- من ظ وم، وفي الأصل: عيشة.
[69172]:- -من ظ وم، وفي الأصل: لنعمة.
[69173]:- من ظ وم، وفي الأصل: الإسلام.
[69174]:- وقراءة حفص عن عاصم.
[69175]:- من ظ وم، وفي الأصل: طرفا.
[69176]:سقط من ظ وم.