ومعنى : { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي : لنختبرهم هل يقومون بشكرها أم لا ، وإن قلنا : إنَّ الضمير يعود على الإنس فالاحتمالان كما هما .
قوله : { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } ، دليلٌ على أنه تبارك وتعالى يضل عباده . وأجاب المعتزلة ، بأنَّ الفتنة هي الاختبار ، كما يقال : فتنت الذهب بالنار لا خلق الضلالة .
واستدلت المعتزلة بقوله تعالى { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } على أنه تعالى إنما يفعل لغرض .
وأجيبوا : بأن الفتنة بالاتفاق ليست مقصودة فدلَّت هذه الآية على أن اللام ليست للغرض في حق الله تبارك وتعالى .
روى مسلمُ عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أخْوفُ ما أخَافُ عليْكمْ ما يُخْرجُ اللَّهُ لكم مِنْ زهرةِ الدُّنيَا " قالوا : ومَا زَهْرةُ الدُّنيَا ؟ .
قال : " بَركَاتُ الأرْضِ " {[58167]} . وذكر الحديث »
وقال - عليه الصلاة والسلام - : «فواللَّهِ مَا الفَقْرَ أخْشَى عليْكُم ، وإنَّما أخْشَى علَيكُمْ أنْ يبسِطَ اللَّهُ عَليكُم الدُّنْيَا فتَنَافَسُوا فيها كما تَنَافَسَ فِيهَا مَنْ كَانَ قَبلكُمْ ، فيُهلِكَكُمْ كَمَا أهْلَكَهُمْ » . {[58168]}
قوله : { وَمَن يُعِرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ } ، أي : عن عبادته ، أو عن موعظته ، أو عن وحيه .
وقال ابن زيدٍ : يعني القرآن{[58169]} ، وفي إعراضه وجهان :
الأول : عن القبول إن قيل إنها في الكفار والثاني عن العمل ، إن قيل إنَّها في أهل الإيمان .
وقيل : { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ } ، أي : لم يشكره .
قوله : { يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } .
قرأ الكوفيون{[58170]} : «يَسْلكْهُ » - بياء الغيبة - لإعادة الضمير على الله تعالى ، وباقي السبعة : بنون العظمة على الالتفات .
وهذا كما تقدم في قوله تعالى : { سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً } ، ثم قال : { بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا } [ الإسراء : 1 ] .
وقرأ مسلم بن جندب{[58171]} : «نسلكه » بنون العظمة مضمومة من «أسلكه » . وبعضهم{[58172]} : بالياء من تحت مضمومة ، وهما لغتان ، يقال : سلكه وأسلكه .
4911 - حَتَّى إذَا أسْلكُوهُم فِي قَتائِدَةٍ{[58173]} *** . . .
و «سلك ، وأسلك » يجوز أن يكونا فيهما ضُمِّنا معنى الإدخال ، فلذلك يتعديان لاثنين ويجوز أن يقال : يتعديان إلى أحد المفعولين ، بإسقاط الخافض ، كقوله تعالى : { واختار موسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ } [ الأعراف : 155 ] .
فالمعنى : ندخله عذاباً ، أو نسلكه في عذابٍ ، هذا إذا قلنا : إن «صَعَداً » مصدر .
قال الزمخشريُّ : يقال : صَعَداً وصُعُوداً ، فوصف به العذاب لأنه يتصعد للمعذب ، أي : يعلوه ، ويغلبه ، فلا يطيقه ، ومنه قول عمر - رضي الله عنه - : ما تصعد شيء ما تصعدتني خطبةُ النِّكاح يقول : ما شقَّ عليَّ ، ولا غلبني .
وأما إذا جعلناه اسماً لصخرة في جهنم ، كما قاله ابن عباس - رضي الله عنهما - وغيره ، فيجوز فيه وجهان :
أحدهما : أن يكون «صعداً » مفعولاً به أي «يسلكه » في هذا الموضع ويكون «عذاباً » مفعولاً من أجله .
الثاني : أن يكون «عذاباً » مفعولاً ثانياً كما تقدم ، و «صعداً » بدلاً من عذاباً ، ولكن على حذف مضاف أي : عذاب صعد ، وقرأ العامة بفتحتين ، وقرأ ابن عباس والحسن بضم الصاد وفتح العين ، وهو صفة تقتضي المبالغة كحُطَم ولُبَد ، وقرئ بضمتينِ وهو وصف أيضاً ك «جُنُب » و «شُلُل » .
ومعنى عذاباً صعداً : أي شاقاً شديداً .
[ وقيل عن ابن عباس : ] هو جبل في جهنم{[58174]} ، قال الخدريُّ : كلما جعلوا أيديهم عليه ذابت{[58175]} .
وعن ابن عباس : إن المعنى مشقّة من العذاب{[58176]} ، لأن الصعد في اللغة هو المشقة ، تقول : تصعدني الأمر إذا شقَّ عليك ، ومنه قول عمر المتقدم ، والمشي في الصعود يشق ، وصعود العقبة الكئودِ .
وقال عكرمةُ : هي صخرة في جهنم ملساء يكلف صعودها ، فإذا انتهى إلى أعلاها حُدِر إلى جهنم .
وقال : يكُلَّفُ الوليدُ بن المغيرة أن يصعد جبلاً في النار من صخرةٍ ملساءَ يجذب من أمامه بسلاسل ، ويضرب من خلفه بمقامع ، حتَّى يبلغ أعلاها ولا يبلغ في أربعين سنة فإذا بلغ أعلاها أحدر إلى أسفلها ، ثم يكلف صعودها ، فذلك دأبه أبداً ، وهو قوله : { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } [ المدثر : 17 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.