فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لِّنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَمَن يُعۡرِضۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِۦ يَسۡلُكۡهُ عَذَابٗا صَعَدٗا} (17)

{ لنفتنهم فيه } أي لنختبرهم فنعلم كيف شكرهم على تلك النعم علم ظهور للخلائق وإلا فهو تعالى لا يخفى عليه شيء ، وقال الكلبي المعنى وأن لو استقاموا على الطريقة التي هم عليها من الكفر فكانوا كلهم كفارا لأوسعنا أرزاقهم مكرا بهم واستدراجا حتى يفتنوا بها فنعذبهم في الدنيا والآخرة ، وبه قال الربيع بن أنس وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن والثمالي ويمان بن ريان وابن كيسان وأبو مجلز ، واستدلوا بقوله .

{ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء } وقوله { ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة } الآية والأول أولى ، وقال عمر : في الآية حيثما كان الماء كان المال وحيثما كان المال كانت الفتنة ، وقال ابن عباس : لنبتليهم به .

{ ومن يعرض عن ذكر ربه } أي ومن يعرض عن القرآن أو عن العبادة أو عن الموعظة أو عن التوحيد أو عن جميع ذلك { يسلكه } أي يدخله { عذابا صعدا } أي شاقا ، قرأ الجمهور نسلكه بالنون مفتوحة من سلكه ، وقرئ بالياء التحتية ، واختار هذه القراءة أو عبيد وأبو حاتم لقوله ( عن ذكر ربه ) ولم يقل عن ذكرنا ، وقرئ بضم النون وكسر اللام من أسلكه ، والصعد في اللغة المشقة تقول تصعد بي الأمر إذا شق عليك ، وهو مصدر صعد يقال صعد صعدا وصعودا فوصف به العذاب مبالغة لأنه يتصعد المعذب أي يعلوه ويغمره ويغلبه فلا يطيقه .

قال أبو عبيدة : الصعد مصدر أي عذابا ذا صعد ، وقال عكرمة : الصعد هو صخرة ملساء في جهنم يكلف صعودها فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم كما في قوله { سأرهقه صعودا } والصعود العقبة الكؤود ، وقال ابن عباس : عذابا صعدا شقة من العذاب يصعد فيها ، وعنه قال جبلا في جهنم ، وعنه قال لا راحة فيه .