" لنفتنهم فيه " أي لنختبرهم كيف شكرهم فيه على تلك النعم . وقال عمر في هذه الآية : أينما كان الماء كان المال ، وأينما كان المال كانت الفتنة . فمعنى " لأسقيناهم " لوسعنا عليهم في الدنيا ، وضرب الماء الغدق الكثير لذلك مثلا ؛ لأن الخير والرزق كله بالمطر يكون ، فأقيم مقامه ، كقوله تعالى : " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض " [ الأعراف : 96 ] وقوله تعالى : " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " [ المائدة : 66 ] أي بالمطر . والله أعلم . وقال سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والضحاك وقتادة ومقاتل وعطية وعبيد بن عمير والحسن : كان والله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين ، ففتحت عليهم كنوز كسرى وقيصر والمقوقس والنجاشي ، ففتنوا بها ، فوثبوا على إمامهم فقتلوه . يعني عثمان بن عفان .
وقال الكلبي وغيره : " وأن لو استقاموا على الطريقة " التي هم عليها من الكفر فكانوا كلهم كفارا لوسعنا أرزاقهم مكرا بهم واستدراجا لهم ، حتى يفتتنوا بها ، فنعذبهم بها في الدنيا والآخرة . وهذا قول قال الربيع بن أنس وزيد بن أسلم وابنه والكلبي والثمالي ويمان بن رباب وابن كيسان وأبو مجلز ، واستدلوا بقوله تعالى : " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء " [ الأنعام : 44 ] الآية . وقوله تعالى : " ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة " [ الزخرف : 33 ] الآية ؛ والأول أشبه ؛ لأن الطريقة معرفة بالألف واللام ، فالأوجب أن تكون طريقته طريقة الهدى ؛ ولأن الاستقامة لا تكون إلا مع الهدى .
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا ) قالوا : وما زهرة الدنيا ؟ قال : ( بركات الأرض ) وذكر الحديث . وقال عليه السلام : ( فوالله ما الفقر أخشى عليكم ، وإنما أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من{[15464]} قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم ) .
قوله تعالى : " ومن يعرض عن ذكر ربه " يعني القرآن ، قاله ابن زيد . وفي إعراضه عنه وجهان : أحدهما عن القبول ، إن قيل إنها في أهل الكفر . الثاني عن العمل ، إن قيل إنها في المؤمنين . وقيل : " ومن يعرض عن ذكر ربه " أي لم يشكر نعمه " يسلكه عذابا صعدا " قرأ الكوفيون وعياش عن أبي عمرو " يسلكه " بالياء واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ؛ لذكر اسم الله أولا فقال : " ومن يعرض عن ذكر ربه " . الباقون " نسلكه " بالنون . وروي عن مسلم بن جندب ضم النون وكسر اللام . وكذلك قرأ طلحة والأعرج وهما لغتان ، سلكه وأسلكه بمعنى ، أي ندخله . " عذابا صعدا " أي شاقا شديدا . قال ابن عباس : هو جبل ، في جهنم . أبو سعيد الخدري{[15465]} : كلما جعلوا أيديهم عليه ذابت . وعن ابن عباس : أن المعنى مشقة من العذاب . وذلك معلوم في اللغة أن الصعد : المشقة ، تقول : تصعدني الأمر : إذا شق عليك ، ومنه قول عمر : ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح ، أي ما شق علي . وعذاب صعد أي شديد .
والصعد : مصدر صعد ، يقال : صعد صعدا وصعودا ، فوصف به العذاب ؛ لأنه يتصعد المعذب أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه . وقال أبو عبيدة : الصعد مصدر ، أي عذابا ذا صعد ، والمشي في الصعود يشق . والصعود : العقبة الكؤود . وقال عكرمة : هو صخرة ملساء في جهنم يكلف صعودها ، فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم . وقال الكلبي : يكلف الوليد بن المغيرة أن يصعد جبلا في النار من صخرة ملساء ، يجذب من أمامه بسلاسل ، ويضرب من خلفه بمقامع حتى يبلغ أعلاها ، ولا يبلغ في أربعين سنة . فإذا بلغ أعلاها أحدر إلى أسفلها ، ثم يكلف أيضا صعودها ، فذلك دأبه أبدا ، وهو قوله تعالى : " سأرهقه صعودا " [ المدثر : 17 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.