الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لِّنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَمَن يُعۡرِضۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِۦ يَسۡلُكۡهُ عَذَابٗا صَعَدٗا} (17)

قوله : { يَسْلُكْهُ } : الكوفيون بياءِ الغَيْبة ، وهي واضحةٌ ، لإِعادةِ الضميرِ على الربِّ تعالى . وباقي السبعةِ بنونِ العظمة على الالتفات ، هذا كما تقدَّم في قولِه : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى }

[ الإِسراء : 1 ] ثم قال : { بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ } . وقرأ ابن جندب " نُسْلِكْه " بنونٍ مضمومة مِنْ أَسْلَكه . وبعضُهم بالياء مِنْ تحتُ مضمومةً ، وهما لغتان . يُقال : سَلَكه وأسلكه . وأُنْشِدَ :

حتى إذا أَسْلكوهم في قُتائِدَةٍ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وسَلَكَ وأَسْلك يجوزُ فيهما أَنْ يكونا ضُمِّنا معنى/ الإِدخالِ فكذلك يتعدَّيان لاثنين . ويجُوز أَنْ يقالَ : يتعدَّيان إلى أحدِ المفعولَيْن بإسقاطِ الخافضِ ، كقولِه :

{ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ } [ الأعراف : 155 ] ، فالمعنى : يُدْخِلْه عذاباً ، أو يَسْلُكْه في عذاب ، هذا إذا قلنا : إنَّ " صَعَداً " مصدرٌ . قال الزمخشري : " يقال : صَعِدَ صَعَداً وصُعوداً ، فوصف به العذاب ؛ لأنه يَتَصَعَّدُ المُعَذَّب أي يَعْلُوه ويَغْلِبُه ، فلا يُطيقه . ومنه قولُ عمرَ رضي الله عنه : " ما تَصَعَّدني شيءٌ ما تَصَعَّدَتْني خطبةُ النكاحِ " يريد : ما شقَّ عليَّ ولا غَلَبَني " . وأمَّا إذاجَعَلْناه اسماً لصَخْرةٍ في جهنمَ ، كما قاله ابنُ عباسٍ وغيرُه ، فيجوزُ فيه وجهان ، أحدهما : أَنْ يكونَ " صَعَداً " مفعولاً به أي : يَسْلُكْه في هذا الموضع ، ويكون " عذاباً " مفعولاً مِنْ أَجْلِه . والثاني : أَنْ يكونَ " عذاباً " مفعولاً ثانياً ، كما تَقَدَّم ، و " صَعَداً " بدلاً مِنْ عذاب ، ولكنْ على حَذْفِ مضافٍ أي : عذابَ صَعَدٍ .

و " صَعَداً " بفتحتَيْن هو قراءةُ العامَّة . وقرأ ابن عباس والحسنُ بضمِّ الصاد وفتح العين ، وهو صفةٌ تقتضي المبالغة ك حُطَمٍ ولُبَدٍ ، وقُرِىءَ بضمَّتين وهو وصفٌ أيضاً ك جُنُب وشُلُل .