فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{لِّنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَمَن يُعۡرِضۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِۦ يَسۡلُكۡهُ عَذَابٗا صَعَدٗا} (17)

{ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } أي لنختبرهم ، فنعلم كيف شكرهم على تلك النعم . وقال الكلبي : المعنى وأن لو استقاموا على الطريقة التي هم عليها من الكفر ، فكانوا كلهم كفاراً ، لأوسعنا أرزاقهم مكراً بهم واستدراجاً حتى يفتنوا بها ، فنعذبهم في الدنيا والآخرة . وبه قال الربيع بن أنس وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن والثمالي ويمان بن زيان وابن كيسان وأبو مجلز ، واستدلوا بقوله : { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَيْء } [ الأنعام : 44 ] ، وقوله : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ الناس أُمَّةً واحدة لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مّن فِضَّةٍ } [ الزخرف : 33 ] الآية ، والأوّل أولى { وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً } أي ومن يعرض عن القرآن ، أو عن العبادة ، أو عن الموعظة ، أو عن جميع ذلك يسلكه : أي يدخله عذاباً صعداً : أي شاقاً صعباً .

قرأ الجمهور : «نَسْلُكْهُ » بالنون مفتوحة . وقرأ الكوفيون وأبو عمرو في رواية عنه بالياء التحتية ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لقوله : { عَن ذِكْرِ رَبّهِ } ولم يقل «عن ذكرنا » . وقرأ مسلم بن جندب وطلحة بن مصرّف والأعرج بضم النون وكسر اللام من أسلكه ، وقراءة الجمهور من سلكه . والصعد في اللغة المشقة ، تقول تصعد بي الأمر : إذا شقّ عليك ، وهو مصدر صعد ، يقال : صعد صعداً وصعوداً ، فوصف به العذاب مبالغة ، لأنه يتصعد المعذب : أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه . قال أبو عبيد : الصعد مصدر : أي عذاباً ذا صعد . وقال عكرمة : الصعد هو صخرة ملساء في جهنم يكلف صعودها ، فإذا انتهى إلى أعلاها حدر إلى جهنم ، كما في قوله : { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } [ المدثر : 17 ] والصعود : العقبة الكئود .

/خ28