الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{لِّنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَمَن يُعۡرِضۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِۦ يَسۡلُكۡهُ عَذَابٗا صَعَدٗا} (17)

{ لنفتنهم فِيهِ } لنختبرهم فيه كيف يشكرون ما خوّلوا منه . ويجوز أن يكون معناه : وأن لو استقام الجن الذين استمعوا على طريقتهم التي كانوا عليها قبل الاستماع ولم ينتقلوا عنها إلى الإسلام لوسعنا عليهم الرزق مستدرجين لهم ، لنفتنهم فيه : لتكون النعمة سبباً في اتباعهم شهواتهم ، ووقوعهم في الفتنة ، وازديادهم إثماً ؛ أو لنعذبهم في كفران النعمة { عَن ذِكْرِ رَبِّهِ } عن عبادته أو عن موعظته أو عن وحيه { يَسْلُكْهُ } وقرىء بالنون مضمومة ومفتوحة ، أي : ندخله { عَذَاباً } والأصل : نسلكه في عذاب ، كقوله : { مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ } [ المدثر : 42 ] فعدّى إلى مفعولين : إمّا بحذف الجار وإيصال الفعل ، كقوله : { واختار موسى قَوْمَهُ } [ الأعراف : 155 ] وإمّا بتضمينه معنى «ندخله » يقال : سلكه وأسلكه قال :

حَتَّى إذَا أسْلَكُوهُمْ في قتَائِدَةٍ ***

والصعد : مصدر صعد ، يقال : صعد صعداً وصعوداً ، فوصف به العذاب ، لأنه يتصعد المعذب أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه . ومنه قول عمر رضي اللَّه عنه : ما تصعدَني شيء ما تصعَّدَتني خطبة النكاح ، يريد : ما شق على ولا غلبني .