في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (30)

هذه صلة . صلة الوسوسة والإغراء . وهناك صلة . صلة النصح والولاء . إنهم المؤمنون . الذين قالوا : ربنا الله ، ثم استقاموا على الطريق إليه بالإيمان والعمل الصالح . إن الله لا يقيض لهؤلاء قرناء سوء من الجن والإنس ؛ إنما يكلف بهم ملائكة يفيضون على قلوبهم الأمن والطمأنينة ، ويبشرونهم بالجنة ، ويتولونهم في الحياة الدنيا وفي الآخرة :

( إن الذين قالوا : ربنا الله . ثم استقاموا . تتنزل عليهم الملائكة : ألا تخافوا ولا تحزنوا ، وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون . نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة . ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون . نزلا من غفور رحيم ) .

والاستقامة على قولة : ( ربنا الله ) . الاستقامة عليها بحقها وحقيقتها . الاستقامة عليها شعوراً في الضمير ، وسلوكاً في الحياة . الاستقامة عليها والصبر على تكاليفها . أمر ولا شك كبير . وعسير . ومن ثم يستحق عند الله هذا الإنعام الكبير . صحبة الملائكة ، وولاءهم ، ومودتهم . هذه التي تبدو فيما حكاه الله عنهم . وهم يقولون لأوليائهم المؤمنين : لا تخافوا . لا تحزنوا . أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (30)

ما وعد الله به أهل الاستقامة والحكمة

{ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون 30 نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون 31 نزلا من غفور رحيم 32 ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين 33 ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم 34 وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم 35 وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم 36 }

المفردات :

استقاموا : ثبتوا على الإيمان والصراط المستقيم .

تتنزل عليهم الملائكة : بالبشارة والإلهام في حياتهم ، وعند موتهم وبعثهم بما يسرّهم .

30

التفسير :

30-{ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون } .

تصف الآيات منزلة المؤمنين الذين أعلنوا إيمانهم بالله ربا ، وبالإسلام دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّا ورسولا ، واستقاموا على ذلك فلم يروغوا روغان الثعالب ، بل ثبتوا على الإيمان وعملوا بمقتضاه .

قال رجل : يا رسول الله ، قل لي في الإسلام قولا ، وأقلل فيه لعلي أعيه ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : " قل أمنت بالله ثم استقم " فقال الرجل : يا رسول الله ، ما أكثر ما تخاف عليّ ؟ فأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه ثم قال : " هذا " أي : أخاف عليك لسانك {[648]} . ( رواه الإمام أحمد ، ومسلم في صحيحه ، والنسائي ) .

فالمؤمن المستقيم على فعل الصالحات وترك المعاصي ، الثابت على الخير ، البعيد عن الشر ، الذي وطن نفسه على الهوى ، وفطمها عن الردى ، تنزل عليه الملائكة في الدنيا – وإن لم يرها- تشرح صدره ، وتيسّر أمره ، وتمنحه المعونة والهدى والتوفيق ، وتنزل عليه عند الموت تبشّره برضوان الله ، وتنزل عليه في القبر تؤنسه وتبشره بمنزلته في الجنة ، وتنزل عليه عند البعث حيث ينزل عليه الملكان اللذان كانا يكتبان عليه الحسنات والسيئات ليصحباه إلى عرصات القيامة ، ونعيم الجنة ، ولا يمرّ المؤمن المستقيم بأي كرب من كروب الآخرة إلا بشّرته بما أُعدّ له ، ويسرت له الحفظ من كل كرب ، وبشرته بالجنة التي كان يوعد بها في الدنيا على ألسنة الرسل .


[648]:قل آمنت بالله ثم استقم: رواه مسلم في الإيمان (38) والترمذي في الزهد (2410) وابن ماجة في الفتن (3972) وأحمد في مسنده (14991، 14992، 14993، 18938) والدارمي في الرقائق (2710، 2711) من حديث سفيان بن عبد الله الثقفي. وقال الترمذي: حسن صحيح.
 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (30)

{ إن الذين قالوا ربنا الله } أي وحدوه { ثم استقاموا } على التوحيد فلم يشركوا به شيئا { تتنزل عليهم الملائكة } عند الموت { ألا تخافوا } ذنوبكم { ولا تحزنوا } عليها فإن الله يغفرها لكم

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (30)

قوله تعالى : " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال عطاء عن ابن عباس : نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وذلك أن المشركين قالوا ربنا الله والملائكة بناته وهؤلاء شفعاؤنا عند الله ، فلم يستقيموا . وقال أبو بكر : ربنا الله وحده لا شريك له ومحمد صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، فاستقام . وفي الترمذي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " قال : ( قد قال الناس ثم كفر أكثرهم فمن مات عليها فهو ممن استقام ) قال : حديث غريب . ويروى في هذه الآية عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي معنى " استقاموا " ، ففي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال : قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك - وفي رواية - غيرك . قال : ( قل آمنت بالله ثم استقم ) زاد الترمذي قلت : يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي ؟ فأخذ بلسان نفسه وقال : ( هذا ) . وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : " ثم استقاموا " لم يشركوا بالله شيئا . وروى عنه الأسود بن هلال أنه قال لأصحابه : ما تقولون في هاتين الآيتين " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " و " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم " فقالوا : استقاموا فلم يذنبوا ولم يلبسوا إيمانهم بخطيئة ، فقال أبو بكر : لقد حملتموها على غير المحمل " قالوا ربنا الله ثم استقاموا " فلم يلتفتوا إلى إله غيره " ولم يلبسوا إيمانهم " بشرك " أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " . وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر وهو يخطب : " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا " فقال : استقاموا والله على الطريقة لطاعته ثم لم يرغوا روغان الثعالب . وقال عثمان رضي الله عنه : ثم أخلصوا العمل لله . وقال علي رضي الله عنه : ثم أدوا الفرائض . وأقوال التابعين بمعناها . قال ابن زيد وقتادة : استقاموا على الطاعة لله . الحسن : استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته . وقال مجاهد وعكرمة : استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى ماتوا . وقال سفيان الثوري : عملوا على وفاق ما قالوا . وقال الربيع : اعرضوا عما سوى الله . وقال الفضيل بن عياض : زهدوا في الفانية ورغبوا في الباقية . وقيل : استقاموا إسرارا كما استقاموا إقرارا . وقيل : استقاموا فعلا كما استقاموا قولا . وقال أنس : لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( هم أمتي ورب الكعبة ) . وقال الإمام ابن فورك : السين سين الطلب مثل استسقى أي سألوا من الله أن يثبتهم على الدين . وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال : اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة .

قلت : وهذه الأقوال وإن تداخلت فتلخيصها : اعتدلوا على طاعة الله عقدا وقولا وفعلا ، وداموا على ذلك .

قوله تعالى : " تتنزل عليهم الملائكة " قال ابن زيد ومجاهد : عند الموت . وقال مقاتل وقتادة : إذا قاموا من قبورهم للبعث . وقال ابن عباس : هي بشرى تكون لهم من الملائكة في الآخرة . وقال وكيع وابن زيد : البشرى في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث . " ألا تخافوا " أي ب " ألا تخافوا " فحذف الجار . وقال مجاهد : لا تخافوا الموت . وقال عطاء بن أبي رباح : لا تخافوا رد ثوابكم فإنه مقبول ، وقال عكرمة ولا تخافوا أمامكم ، ولا تحزنوا على ذنوبكم . " ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون " على أولادكم فإن الله خليفتكم عليهم . وقال عطاء بن أبي رباح : لا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم . وقال عكرمة : لا تحزنوا على ذنوبكم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (30)

ولما ذكر الأعداء وقرناءهم نذارة ، أتبعه ذكر الأولياء وأوداءهم بشارة ، فقال مبيناً لحالهم القابل للإعراض وثمراته جواباً لمن يسأل عنهم مؤكداً لأجل إنكار المعاندين : { إن الذين } قال أبو حيان : قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت في الصديق رضي الله عنه وأرضاه . { قالوا } أي قولاً حقيقياً مذعنين به بالجنان وناطقين باللسان تصديقاً لداعي الله في دار الدنيا متذللين حيث ينفع الذل جامعين بين الأسّ الذي هو المعرفة والاعتقاد ، والبناء الذي هو العمل الصالح بالقول والفعل على السداد ، فإن أصل الكمالات النفسانية يقين مصلح وعمل صالح ، تعرف الحق لذاته والخير لتعمل له ورأس المعارف اليقينية ورئيسها معرفة الله ، ورأس الأعمال الصالحة الاستقامة على حد الاعتدال من غير ميل إلى طرف إفراط أو تفريط : { ربنا } أي المحسن إلينا { الله } المختص بالجلال والإكرام وحده لا شريك له .

ولما كان الثبات على التوحيد ومصححاته إلى الممات أمراً في علو رتبته لا يرام إلا بتوفيق ذي الجلال والإكرام ، أشار إليه بأداة التراخي فقال : { ثم استقاموا } طلبوا وأوجدوا القوام بالإيمان بجميع الرسل وجميع الكتب ولم يشركوا به صنماً ولا ثناً ولا آدمياً ولا ملكاً ولا كوكباً ولا غيره بعبادة ولا رياء ، وعملوا بما يرضيه وتجنبوا كل ما يسخطه وإن طال الزمان ، امتثالاً لما أمر به أول السورة في قوله { إنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه } فمن كان له أصل الاستقامة في التوحيد أمن من النار بالخلود ، ومن كان له كمال الاستقامة في الأصول والفروع أمن الوعيد { تتنزل } على سبيل التدريج المتصل { عليهم } من حين نفخ الروح فيهم إلى أن يموتوا ثم إلى أن يدخلوا الجنة باطناً فظاهراً { الملائكة } بالتأييد في جميع ما ينوبهم فتستعلي الأحوال الملكية على صفاتهم البشرية وشهواتهم الحيوانية فتضمحل عندها ، وتشرق مرائيهم ، ثم شرح ما يؤيدونهم به وفسره فقال : { ألا تخافوا } أي من شي مثله يخيف ، وكأنهم يثبتون ذلك في قلوبهم { ولا تحزنوا } أي على شيء فاتكم ، فإن ما حصل لكم أفضل منه ، فأوقاتكم الأخراوية فيها بل هي كلها روح وراحة ، فلا يفوتهم لذلك محبوب ولا يلحقهم مكروه { وابشروا } أي املأوا صدوركم سروراً يظهر أثره على بشرتكم بتهلل الوجه ونعمة سائر الجسد { بالجنة التي كنتم } أي كوناً عظيماً على ألسنة الرسل { توعدون * } أي يتجدد لكم ذلك كل حين بالكتب والرسل ، وقال الرازي في اللوامع : يبشرون في ثلاثة مواضع : عند الموت ، وفي القبر ، ويوم البعث - انتهى . وهذا محول على الكلام الحقيقي وما قبله على أنهم يفعلون معه ما ترجمته ذلك .