في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۚ وَكُلٌّ أَتَوۡهُ دَٰخِرِينَ} (87)

59

ومن آيتي الليل والنهار فى الأرض ، وحياتهم الآمنة المكفولة في ظل هذا النظام الكوني الدقيق يعبر بهم في ومضة إلى يوم النفخ في الصور ، وما فيه من فزع يشمل السماوات والأرض ومن فيهن من الخلائق إلا من شاء الله . وما فيه من تسيير للجبال الرواسي التي كانت علامة الاستقرار ؛ وما ينتهي إليه هذا اليوم من ثواب بالأمن والخير ، ومن عقاب بالفزع والكب في النار :

( ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ؛ وكل أتوه داخرين . وترى الجبال تحسبها جامدة ، وهي تمر مر السحاب ، صنع الله الذي أتقن كل شيء ، إنه خبير بما تفعلون . من جاء بالحسنة فله خير منها ، وهم من فزع يومئذ آمنون . ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار . هل تجزون إلا ما كنتم تعملون ) . .

والصور البوق ينفخ فيه . وهذه هي نفخة الفزع الذي يشمل كل من في السماوات ومن في الأرض - إلا من شاء الله أن يأمن ويستقر . . قيل هم الشهداء . . وفيها يصعق كل حي في السماوات والأرض إلا من شاء الله .

ثم تكون نفخة البعث . ثم نفخة الحشر . وفي هذه يحشر الجميع ( وكل أتوه داخرين )أذلاء مستسلمين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۚ وَكُلٌّ أَتَوۡهُ دَٰخِرِينَ} (87)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأرْضِ إِلاّ مَن شَآءَ اللّهُ وَكُلّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى : وَيَوْمَ يُنْفَخ فِي الصورِ وقد ذكرنا اختلافهم فيما مضى ، وبيّنا الصواب من القول في ذلك عندنا بشواهده ، غير أنا نذكر في هذا الموضع بعض ما لم يذكر هناك من الأخبار ، فقال بعضهم : هو قرن يُنفخ فيه . ذكر بعض من لم يُذكر فيما مضى قبل من الخبر عن ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جمِيعا ، عَن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : وَيَوْمَ يُنْفَخُ في الصُورِ قال كهيئة البوق .

حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قال : الصور : البوق قال : هو البوق صاحبه آخذ به يقبض قبضتين بكفيه على طرف القرن بين طرفه ، وبين فيه قدر قبضة أو نحوها ، قد برك على ركبة إحدى رجليه ، فأشار ، فبرك على ركبة يساره مقعيا على قدمها عقبها تحت فخذه وأليته وأطراف أصابعها في التراب .

قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، قال : الصور كهيئة القرن قد رفع إحدى ركبتيه إلى السماء ، وخفض الأخرى ، لم يلق جفون عينه على غمض منذ خلق الله السموات مستعدّا مستجدّا ، قد وضع الصور على فيه ينتظر متى يؤمر أن ينفخ فيه .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن إسماعيل بن رافع المدني ، عن يزيد بن زياد قال أبو جعفر : والصواب : يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب القرظي ، عن رجل من الأنصار عن أبي هُريرة : أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، ما الصّور ؟ قال : «قَرْنٌ » ، قال : وكيف هو ؟ قال : «قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلاثُ نَفخاتٍ : الأُولى : نَفْخَةُ الفَزَعِ ، والثّانِيَةُ : نَفْخَةُ الصّعْقِ ، والثّالِثَةُ : نَفْخَةُ القِيامِ لِلّهِ رَبّ العَالَمِينَ ، يأْمُرُ اللّهُ إسْرَافِيلَ بالنّفْخَةِ الأُولى ، فَيَقُولُ : انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ ، فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الفَزَعِ ، فَيَفْزَعُ أهْلُ السّمَواتِ وأهْلُ الأرْضِ ، إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ ، وَيَأْمُرُهُ اللّهُ فَيَمُدّ بِها ويطوّلهَا ، فَلا يَفْتُرُ ، وَهِيَ التي يَقُولُ اللّهُ : ما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً ما لَهَا مِنْ فَوَاقٍ فَيُسَيّرُ اللّهُ الجِبالَ ، فَتَكُونُ سَرَبا ، وَتُرَجّ الأرْضُ بأهْلِها رَجّا ، وهي التي يَقُولُ اللّهُ : يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ تَتْبَعُها الرّادِفَةُ ، قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ فَتَكُونُ الأرْضُ كالسّفِينَةِ المُوثَقَةِ فِي البَحْرِ ، تَضْرُبها الأَمْوَاجُ ، تُكْفأُ بأْهْلِها ، أوْ كالقِنْدِيلِ المُعَلّقِ بالوَتَرِ ، تُرَجّحُهُ الأرْياحُ ، فَتَمِيدُ النّاسُ علىَ ظَهْرِها ، فَتَذْهَلُ المَرَاضِعُ ، وَتَضَعُ الحَوَامِلُ ، وَتَشِيبُ الوِلْدَانُ ، وَتَطِيرُ الشّياطِينُ هارِبَةً ، حتى تَأتِيَ الأقْطارَ ، فَتَتَلَقّاها المَلائِكَةُ ، فَتَضْرِبُ وُجُوهَها ، فَترْجِعُ ، وَيُوَلّي النّاسُ مُدْبِرِينَ يُنادي بَعْضُهُمْ بَعْضا ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ اللّهُ : يَوْمَ التّنادِ ، يَوْمَ تُوَلّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصِمٍ ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هادٍ . فَبَيْنَما هُمْ عَلى ذلكَ إذْ تَصَدّعَت الأرْضُ مِنْ قُطْرٍ إلى قُطْرٍ ، فَرَأَوْا أمْرا عَظِيما ، فأخَذَهُمْ لِذَلَكَ مِنَ الكَرْبِ ما اللّهُ أعْلَمُ بِهِ ، ثم نَظَرُوا إلى السّماءِ ، فإذَا هِي كالمُهْلِ ، ثمّ خُسِفَ شَمْسُها وَقَمَرُها ، وانْتَثَرتْ نُجُومُها ، ثُمّ كُشِطَتْ عَنْهُمْ » . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «والأَمْوَاتُ لا يعْلَمُونَ بِشَيْءٍ مِنْ ذلكَ » ، فقال أبو هريرة : يا رسول الله ، فمن استثنى الله حين يقول : فَفَزِعَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ ومَنْ في الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ قال : «أُولَئِكَ الشّهَدَاءُ ، وإنّمَا يَصِلُ الفَزَعُ إلى الأحْياءِ ، أُولَئِكَ أحيْاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ ، وَقاهُمُ اللّهُ فَزَعَ ذلكَ اليَوْمِ وآمَنَهُمْ ، وَهُوَ عَذَابُ اللّهِ يَبْعثُهُ على شِرَارِ خَلْقِهِ » .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا إسماعيل بن رافع ، عن محمد بن كعب القُرَظيّ ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ اللّهَ تَبارَكَ وَتَعالى لَمّا فَرَغَ مِنَ السّمَوَاتِ والأرْضِ ، خَلَقَ الصّورَ ، فأعْطَاهُ مَلَكا ، فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلى فِيهِ ، شاخِصٌ بِبَصَرِه العَرْشِ ، يَنْتَظِرُ مَتى يُؤْمَرُ » . قال : قُلْتُ : يا رسول الله ، وما الصّورُ ؟ قال : «قرنٌ » ، قلت : فكيف هو ؟ قال : «عَظِيمٌ ، وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إنّ عظم دائِرَةٍ فِيهِ ، لَكَعَرْضِ السّمَوَاتِ والأرْضِ ، يَأْمُرُهُ فَيَنْفُخُ نَفْخَةَ الفَزَعِ ، فَيَفْزَعُ أهْلُ السّمَوَاتِ والأرضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ » ، ثم ذكر باقي الحديث نحو حديث أبي كُرَيب عن المحاربيّ ، غير أنه قال في حديثه «كالسّفِينَةِ المُرْفأَةِ فِي البَحْرِ » .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ونُفخ في صُور الخلق . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصّورِ : أي في الخلق ، قوله : فَفَزِعَ مَنْ فِي السّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ يقول : ففزع من في السموات من الملائكة ومن في الأرض من الجنّ والإنس والشياطين ، من هول ما يعاينون ذلك اليوم .

فإن قال قائل : وكيف قيل : ففزع ، فجعل فزع وهي فعل مردودة على ينفخ ، وهي يَفْعُلُ ؟ قيل : العرب تفعل ذلك في المواضع التي تصلح فيها إذا ، لأن إذا يصلح معها فعل ويفعل ، كقولك : أزورك إذا زرتني ، وأزورك إذا تزورني ، فإذا وضع مكان إذا يوم أجرى مجرى إذا . فإن قيل : فأين جواب قوله : وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصورِ فَفَزِعَ قيل : جائز أن يكون مضمرا مع الواو ، كأنه قيل : ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون ، وذلك يوم ينفخ في الصور . وجائز أن يكون متروكا اكتفي بدلالة الكلام عليه منه ، كما قيل : وَلَوْ يَرَى الّذِينَ ظَلَمُوا فترك جوابه .

وقوله : إلا مَنْ شاءَ الله قيل : إن الذين استثناهم الله في هذا الموضع من أن ينالهم الفزع يومئذٍ الشهداء ، وذلك أنهم أحياء عند ربهم يُرزقون ، وإن كانوا في عداد الموتى عند أهل الدنيا ، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكرناه في الخبر الماضي .

وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا العوّام عمن حدثه ، عن أبي هريرة ، أنه قرأ هذه الآية : فَفَزِعَ مَنْ فِي السّمَواتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلاّ مَنْ شاءَ اللّهُ قال : هم الشهداء .

وقوله : وكُلّ أتَوْهُ داخرِينَ يقول : وكلّ أتوه صاغرين . وبمثل الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وكُلّ أتَوْهُ دَاخِرِينَ يقول : صاغرين .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وكُلّ أتَوْهُ داخِرِينَ قال : صاغرين .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وكلّ أتَوْهُ دَاخرِينَ قال : الداخر : الصاغر الراغم ، قال : لأن المرء الذي يفزع إذا فزع إنما همته الهرب من الأمر الذي فزع منه ، قال : فلما نُفخ في الصور فزعوا ، فلم يكن لهم من الله منجى .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : وكُلّ أتَوْهُ داخِرِينَ فقرأته عامة قرّاء الأمصار : «وكُلّ آتَوهُ » بمدّ الألف من أتوه على مثال فاعلوه ، سوى ابن مسعود ، فإنه قرأه : «وكُلّ أَتُوهُ » على مثال فعلوه ، واتبعه على القراءة به المتأخرون الأعمش وحمزة ، واعتلّ الذين قرءوا ذلك على مثال فاعلوه بإجماع القرّاء على قوله : وكُلّهُمْ آتِيهِ قالوا : فكذلك قوله : «آتُوهُ » في الجمع . وأما الذين قرءوا على قراءة عبد الله ، فإنهم ردّوه على قوله : فَفَزِع كأنهم وجّهوا معنى الكلام إلى : ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض ، وأتوه كلهم داخرين ، كما يقال في الكلام : رأى وفر وعاد وهو صاغر .

والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان مستفيضتان في قرأة الأمصار ، ومتقاربتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۚ وَكُلٌّ أَتَوۡهُ دَٰخِرِينَ} (87)

ثم ذكر تعالى يوم { ينفخ في الصور } ، وهو القرن في قول جمهور الأمة ، وهو مقتضى الأحاديث ، وقال مجاهد : هو كهيئة البوق ، وقالت فرقة : «الصور » جمع صورة كتمرة وتمر وجمرة وجمر والأول أشهر ، وفي الأحاديث المتداولة أن إسرافيل عليه السلام هو صاحب «الصور » وأنه قد جثا على ركبته الواحدة وأقام الأخرى وأمال خده والتقم القرن ينتظر متى يؤذن له في النفخ ، وهذه النفخة المذكورة في هذه الآية هي نفخة الفزع ، وروى أبو هريرة أن الملك له في الصور ثلاث نفخات : نفخة الفزع وهو فزع حياة الدنيا وليس بالفزع الأكبر ، ونفخة الصعق ، ونفخة القيام من القبور{[9085]} ، وقالت فرقة إنما هي نفختان كأنهم جعلوا الفزع والصعق في نفخة واحدة ، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى { ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون }{[9086]} [ الزمر : 68 ] وقالوا : أخرى لا يقال إلا في الثانية .

قال القاضي أبو محمد : والقول الأول أصح ، و { أخرى } [ الزمر : 68 ] يقال في الثالثة ومنه قول ربيعة بن مكدم : [ الكامل ]

«ولقد شفعتهما بآخر ثالث »{[9087]} . . . ومنه قوله تعالى : { ومناة الثالثة الأخرى }{[9088]} [ النجم : 20 ] .

وأما قول الشاعر : [ مجزوء الكامل ]

جعلت لها عودين من . . . نشم وآخر من ثمامه{[9089]}

فيحتمل أن يريد به ثانياً وثالثاً فلا حجة فيه . وقال تعالى : { ففزع } وهو أمر لم يقع بعد إشعاراً بصحة وقوعه وهذا معنى وضع الماضي موضع المستقبل ، وقوله تعالى : { إلا من شاء الله } استثناء فيمن قضى الله تعالى من ملائكته وأنبيائه وشهداء عبيده أن لا ينالهم فزع النفخ في الصور ، قال أبو هريرة : هي في الشهداء ، وذكر الرماني أنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال مقاتل : هي في جبريل عليه السلام وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ، وإذا كان الفزع الأكبر لا ينالهم فهم حريون أن لا ينالهم هذا{[9090]} .

قال القاضي أبو محمد : على أن هذا في وقت ترقب وذلك في وقت أمن إذ هو إطباق جهنم على أهلها ، وقرأ جمهور القراء «وكل آتوه » على وزن فاعلوه ، وقرأ حمزة وحفص عن عاصم «أتوه » على صيغة الفعل الماضي وهي قراءة ابن مسعود وأهل الكوفة ، وقرأ قتادة «أتاه » على الإفراد إتباعاً للفظ «كل » وإلى هذه القراءة أشار الزجاج ولم يذكرها ، و «الداخر » المتذلل الخاضع ، قال ابن زيد وابن عباس : «الداخر » الصاغر ، وقرأ الحسن «دخرين » بغير ألف ، وتظاهرت الروايات بأن الاستثناء في هذه الآية إنما أريد به الشهداء لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون ، وهم أهل للفزع لأنهم بشر لكن فضلوا بالأمن من ذلك اليوم .


[9085]:روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لما فرغ من خلق السموات والأرض خلق الصور، فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه شاخص ببصره إلى العرش ينتظر متى يؤمر بالنفخ)، قلت: يا رسول الله ما الصور؟ (قال: قرن والله عظيم، والذي بعثني بالحق إن عظم دارة فيه كعرض السماء والأرض، فينفخ فيه ثلاث نفخات: الأولى نفخة الفرع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة البعث والقيام لرب العالمين). ذكره علي بن معبد، والطبري، والثعلبي وغيرهم، وصححه ابن العربي، وقد روى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما مثله.
[9086]:من الآية 68 من سورة الزمر.
[9087]:ربيعة بن مقروم أحد شعراء مضر المعدودين في الجاهلية والإسلام، أسلم فحسن إسلامه وشهد القادسية وغيرها من الفتوح، وله ترجمة في الإصابة وفي الخزانة. وشفع الشيء شفعا: ضم مثله إليه ويقال: كان وترا فشفعته بآخر، والشاهد هنا أن أخرى تقال في المرة الثالثة ولا يلزم أن تكون هي الثانية كما يقول بعض اللغويين.
[9088]:الآية 20 من سورة النجم.
[9089]:النشم بالتحريك": شجر جبلي تتخذ منه القسي، وهو من عتق العيدان، واحدته نشمة، وهو مثل النبع في الصلابة، والثمام: شجر، واحدته ثمامة، وبها سمي الرجل ثمامة، وهو نبت ضعيف له خوض أو شبيه بالخوض، وربما حشي به وسد به خصاص البيوت، وهو قصير لا يطول. والشاهد وضحه المؤلف.
[9090]:وقيل: هم المؤمنون، لقوله تعالى: {وهم من فزع يومئذ آمنون}، وقال بعض العلماء: لم يرد في تعيينهم خبر صحيح، والكل محتمل، وقال القرطبي تعليقا على ذلك: "وخفي عليه حديث أبي هريرة وقد صححه القاضي أبو بكر بن العربي فليعول عليه لأنه نص في التعيين وغيره اجتهاد، والله أعلم".
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُۚ وَكُلٌّ أَتَوۡهُ دَٰخِرِينَ} (87)

عطف على { ويوم نحشر من كل أمة فوجاً } [ النمل : 83 ] ، عاد به السياق إلى الموعظة والوعيد فإنهم لما ذكروا ب« يوم يحشرون إلى النار » ذكروا أيضاً بما قبل ذلك وهو يوم النفخ في الصور ، تسجيلاً عليهم بإثبات وقوع البعث وإنذاراً بما يعقبه مما دل عليه قوله { ءاتوه داخرين } وقوله { ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله } .

والنفخ في الصور تقدم في قوله { وله الملك يوم ينفخ في الصور } في سورة الأنعام ( 73 ) وهو تقريب لكيفية صدور الأمر التكويني لإحياء الأموات وهو النفخة الثانية المذكورة في قوله تعالى { ثم نُفِخَ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } [ الزمر : 68 ] ، وذلك هو يوم الحساب . وأما النفخة الأولى فهي نفخة يعنى بها الإحياء ، أي نفخ الأرواح في أجسامها وهي ساعة انقضاء الحياة الدنيا فهم يصعقون ، ولهذا فرع عليه قوله { ففزع من في السموات ومن في الأرض } ، أي عقبه حصول الفزع وهو الخوف من عاقبة الحساب ومشاهدة معدات العذاب ، فكل أحد يخشى أن يكون معذباً ، فالفزع حاصل مما بعد النفخة وليس هو فزعاً من النفخة لأن الناس حين النفخة أموات .

والاستثناء مجمل يبينه قوله تعالى بعد { من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ ءامنون } [ النمل : 89 ] وقوله { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } إلى قوله { لا يحزنهم الفزع الأكبر } [ الأنبياء : 101 103 ] وذلك بأن يبادرهم الملائكة بالبشارة . قال تعالى { وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون } [ الأنبياء : 103 ] وقال { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة } [ يونس : 64 ] .

وجيء بصيغة الماضي في قوله { ففزع } مع أن النفخ مستقبل ، للإشعار بتحقق الفزع وأنه واقع لا محالة كقوله { أتى أمر الله } [ النحل : 1 ] لأن المضي يستلزم التحقق فصيغة الماضي كناية عن التحقق ، وقرينة الاستقبال ظاهرة من المضارع في قوله { ينفخ } .

والداخرون : الصاغرون . أي الأذلاء ، يقال : دَخِرَ بوزن منع وفرِح والمصدر الدخر بالتحريك والدخور .

وضمير الغيبة الظاهر في { ءاتوه } عائد إلى اسم الجلالة ، والإتيان إلى الله الإحضار في مكان قضائه ويجوز أن يعود الضمير على { يوم ينفخ في الصور } على تقدير : ءاتون فيه والمضاف إليه ( كل ) المعوض عنه التنوين ، تقديره : من فزع ممن في السموات والأرض آتوه داخرين . وأما من استثنى الله بأنه شاء أن لا يفزعوا فهم لا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة .

وقرأ الجمهور { آتوه } بصيغة اسم الفاعل من أتى . وقرأ حمزة وحفص { أتوه } بصيغة فعل الماضي فهو كقوله { ففزع } .