الآية 178 وقوله تعالى : { ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم } الآية اختلف في قراءتها{[4609]} قرأ بعضهم بالياء وبعضهم بالتاء فمن قرأ بالتاء صرف الخطاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ولا تحسبن يا محمد { أنما نملي لهم خير } لهم إنما نملي لهم ليزدادوا شرا وإثما لهم . فالآية على المعتزلة لكنهم تأولوا بوجهين :
أحدهما : على التقديم والتأخير كأنه قال : ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا إثما إنما نملي لهم خير لأنفسهم فيقال لهم : لو جاز حمل{[4610]} الآية وصرفها على ما حملتم عليه وصرفتم إليه جاز حمل جميع الآيات التي فيها وعد للمؤمنين وصرفها إلى الكافرين{[4611]} وما كان فيها وعيد للكافرين ( جاز صرفها ) {[4612]} إلى المؤمنين إذ لا فرق بين هذا وجعلكم الخير مكان الإثم والإثم مكان الخير ، وبين جعل الوعد{[4613]} في موضع الوعيد فيس موضع الوعد .
والوجه الثاني : ( تأولوه بوجهين أيضا :
الأول ) {[4614]} : قالوا : أخبر الله تعالى عما يؤول أمرهم في العاقبة لا أن كان في الابتداء كذلك كقوله تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } ولكن إخبار عن ما آل أمره في العاقبة أن صار لهم عدوا وحزنا وكذلك يقال للرجل : سرقت لتقطع ( يدك ){[4615]} وقتلت ( نفسا ) {[4616]} لتقتل وهو لم يسرق لتقطع ( يده ) {[4617]} ولا قتل ( نفسا ) {[4618]} ليقتل ولكن إخبار عن ما آل أمره وحاله في العاقبة فكذلك هذا . لكن الأخبار عما يؤول الأمر يخرج مخرج التنبيه عن السهو والغفلة في الابتداء فالله سبحانه وتعالى يتعالى عن ذلك فخرج ذلك مخرج التحقيق في الابتداء لا مخرج الإخبار عما يؤول الأمر في العاقبة وبالله التوفيق .
والثاني{[4619]} : من أراد أمرا يعلم أنه لا يكون فهو لجهل يريد ذلك أو لبعث فالله سبحانه يتعالى عن الجهل بالعواقب أو البعث في الفعل دل أنه كان على ( ما ) {[4620]} أراد لا ما لم يرد . ولو كان سبحانه وتعالى لا يفعل بخلقه إلا ما هو أصلح لهم في الدين وأخير لم يكن لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإعجاب ما أعطى الكفرة من الأموال والأولاد بقوله سبحانه وتعالى { فلا يعجبك أموالهم ولا أولادهم } الآية ( التوبة 55 و85 ) ( معنى ) {[4621]} دل أنه قد يعطي ما ليس هو بأصلح{[4622]} في الدين ولا أخير والله أعلم .
قال الشيخ ، رحمه الله في قوله : { ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما } وقوله عز وجل : { فلا يعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها } الآية ( التوبة 55 و85 ) وقوله تعالى : { أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين } { نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون } ( المؤمنون 55 و56 ) ونحو ذلك من الآيات فيها وجهان على المعتزلة :
أحدهما : قولهم في الأصلح : إن الله تعالى لو فعل بالخلق شيئا غيره أصلح لهم في الدين في حال المحنة كان ذلك جورا{[4623]} .
ومعلوم أن الفعل بهم ليزدادوا إثما لا يبلغ في الصلاح في الدين الفعل بهم ليزدادوا به برا ، ومعلوم أنه لو كان كذلك لم يكن ليجوز أن يحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فيقول لا يعجبك كذا فكأنه قال : لا يعجبك الذي هو صلاح في الدين ثم يؤكد ذلك بأنه ( يملي ){[4624]} لهم ذلك ليعذبهم بها ثم شهد على من حسب ما حسبته المعتزلة بأنهم لا يشعرون فكان ذلك شهادة منه تعالى عز وجل على كل من وافق رأيه رأي أولئك الكفرة لا يشعرون .
ومعلوم أن الجبابرة والفراعنة لو لم يجعل الله تعالى لهم تلك الحواشي والملك والقوة لم يكونوا{[4625]} ليجترئوا على دعوى /74- ب / الربوبية وبلغوا في المآثم ما بلغوا فيكون ذلك أصلح لهم في الدين وقد قال الله تعالى :
{ ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن } الآية ( الزخرف 33 ) ثم كان معلوما أنه كان بما يجعل ذلك للكفرة يكفرون فلو جعل للمؤمنين يؤمنون ثم لم يجعل كذلك والله أعلم وأيد ذلك قوله تعالى : { إنما يريد ليعذبهم بها } الآية ( التوبة 55 ) .
والثاني{[4626]} : أن الإرادة إذ هي صفة لكل فاعل مختار في الحقيقة قد ( أخبر ) {[4627]} لأي وجه أعطى ثبت أنه أراد ذلك مع ما كان المتعالم من فعل كل واحد لا يخرج على ما أراده ولا يبلغ به ما لو فعل أنه يكون من جهل أو سفه فالأول : يكون فعله على ظن أن يكون ذلك فلا يكون ، والثاني : إذا علم ألا يكون فيكون له به عابثا سفيها جل الله تعالى عن الوجهين ثبت أن فعله لما علم أنه يكون لا لغيره ليلحقه به وصف جهل أو سفه وبهما سقوط الربوبية .
وجهة المعتزلة ( على الآية إلى ) {[4628]} وجهين :
أحدهما : على التقديم والتأخير بمعنى : ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا إثما إنما نملي لهم ليزدادوا خيرا وذلك فاسد لوجهين :
أحدهما : لو كان جعل الخير شرا والشر خيرا بالتأويل وصف الآية عن سياقها ونظمها جاز في ذلك وعد ووعيد وأمر ونهي وتحليل وتحريم فيصير كل أمور الدنيا مقلوبا .
والثاني{[4629]} : أنه لو كان كذلك لكان يجب{[4630]} أن يعجب به رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ( كان ) {[4631]} على ذلك معجبا ولكانوا في ما حسبوا أن ذلك خير{[4632]} لهم يشعرون ، لا ألا يشعروا مع ما قيل : { ولا يحسبن } بالياء وفي بعض القراءات ( بالتاء ) {[4633]} ومتى كان يحسب الكفرة ذلك شرا حتى يعاتبوا ؟ والله الموفق .
والثاني{[4634]} : قالوا : ذلك خير عما يؤول الأمر إليه كقوله تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } ( القصص 8 ) وهم لا لذلك التقطوا وكمن يقول للسارق : سرقت لتقطع يدك ؟ وكما ي قال : لدوا للموت وابنوا للخراب . والذي قالوه إنما هو تنبيه وإيقاظ لقوم لا يذكرون عواقب الأمور فيحرصون عليها عن غفلة بالعواقب .
فأما الله سبحانه وتعالى فمحال أن يكون أمره على ذلك ليكون في ما يذكره ذلك . ألا ترى أن أحدا لا يقول : ولدت للموت أو بنيت للخراب لأنه لا لذلك يفعل وإن كان إليه يؤول ، وإنما هو قول الواعظ لهم بما ذكرت ، كذلك بطل هذا ، أو أمر قوم فرعون لم يقل ليكون لهم عند الله أو بما أراد الله ، وكان كذلك ، ولا قوة إلا بالله .
وقد بينا ما في الحكمة حقيقة من طريق الاعتبار ، ولا قوة إلا بالله ، وأصل في ذلك أن الله تعالى عالم بمن يؤثر عداوته ويعاند آياته ، فإرادته ألا تكون منه ( في ) {[4635]} ذلك حاجة إليه في موالاته او إيجاب غلبة عليه في بعض ما يريد جل الله عن هذا الوصف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.