فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ خَيۡرٞ لِّأَنفُسِهِمۡۚ إِنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِثۡمٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (178)

( ولا يحسبن الذين كفروا ) وقرئ بالتحتية فالمعنى لا يحسبن الكافرون ( أنما نملي لهم ) بتطويل الأعمال وتأخيرهم ورغد العيش ، أو بما أصابوا من الظفر يوم احد ( خير لأنفسكم ) فليس الأمر كذلك بل هو شر واقع عليهم ونازل بهم ، وعلى الأولى لا تحسبن يا محمد صلى الله عليه وسلم أن الإملاء للذين كفروا بما ذكر خير لهم .

( إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ) بكثرة المعاصي ، واللام لام الإرادة أي إرادة زيادة الإثم ، وهي جائزة عند الأشاعرة ولا تخلو عن حكمة ، وعند المعتزلة القائلين بأنه تعالى لا يريد القبيح هي لام العافية وهي جملة مستأنفة مبينة لوجه الإملاء للكافرين . أو تكرير للأولى . والإملاء الإمهال والتأخير ، وأصله من الملوأة وهي المدة من الزمان يقال أمليت له في الأمر أخرت وأمليت للبعير في القيد أرخيت له ووسعت ( ولهم عذاب مهين ) في الآخرة .

قال أبو السعود لما تضمن الإملاء التمتع بطيبات الدنيا وزينتها وذلك مما يقتضي التعزز والتكرم وصف عذابهم بالإهانة ليكون جزاؤهم جزاء وفاقا انتهى .

واحتج الجمهور بهذه الآية على بطلان ما يقوله المعتزلة لأنه سبحانه أخبر بأنه يطيل أعمار الكافرين ويجعل عيشهم رغدا ليزدادوا إثما ، قال أبو حاتم وسمعت الأخفش يذكر كسر ( انما نملي ) الأولى وفتح الثانية ويحتج بذلك أهل القدر لأنه منهم ويجعله على هذا التقدير ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا إثما نملي لهم خير لأنفسهم ) .

وقال في الكشاف عن ازدياد الإثم علة ، وما كل علة بغرض ، ألا تراك تقول قعدت عن الغزو للعجز والفاقة وخرجت من البلد لمخافة الشر ، وليس شئ من ذلك بغرض لك ، وإنما أسباب وعلل .

وعن ابن مسعود قال : ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها من الحياة إن كان برا فقد قال تعالى : ( وما عند الله خير للأبرار ) وان كان فاجرا فقد قال تعالى ( ولا تحسبن الذين كفروا ) الآية ، وعن أبي الدرداء ومحمد ابن كعب وأبي هريرة نحوه{[389]} .


[389]:أخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصححه عن ابن مسعود قال: ما من نفس برة، ولا فاجرة، إلا والموت خير لها من الحياة.إن كان برا، فقد قال الله تعالى (وما عند الله خير للأبرار) وإن كان فاجرا، فقد قال الله تعالى: (ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما) وإسناده صحيح.