ثم بين أن بقاء المنافقين المتخلفين عن الجهاد والكفار الذين بقوا بعد شهداء أحد لا خير فيه فقال : { ولا يحسبن } من قرأ بالياء فقوله : { الذين كفروا } فاعل ، و " أن " مع ما في حيزه ساد مسد مفعوليه .
ومن قرأ بتاء الخطاب ف { الذين كفروا } مفعول أول و " أن " مع ما في حيزه بدل منه . وصح الإبدال وإن لم يمض إلا أحد المفعولين لأن المبدل في حكم المنحي . ألا تراك تقول : جعلت متاعك بعضه فوق بعض . مع امتناع السكوت على متاعك ؟ والتقدير : ولا تحسبن الذين كفروا أن إملائي خير لهم على أن " ما " مصدرية . ويجوز أن يقدر مضاف محذوف أي لا تحسبنهم أصحاب أن الإملاء خير لهم ، أو لا تحسبن حال الذين كفروا أن الإملاء خير لأنفسهم . قال الأصمعي : يقال أملى عليه الزمان أي طال . وأملى له أي طوّل له وأمهله . قال أبو عبيدة : ومنه الملا للأرض الواسعة الطويلة ، والملوان الليل والنهار . ويقال : أقمت عنده ملاوة من الدهر أي حيناً وبرهة . و { إثماً } نصب على التمييز . وفي وصف العذاب أوّلاً بالعظم ثم بالألم ثم بالإهانة تدرج من الأهون إلى الأشق ، وفيه من الوعيد والسخط ما لا يخفى . قالت الأشاعرة ههنا : إن إطالة المدة من فعل الله لا محالة . والآية دلت على أنها ليست بخير ففيه دلالة على أنه سبحانه فاعل الخير والشر . وأيضاً إنه نص على أن الغرض من هذا الإملاء ، أن يزدادوا إثماً ، فإذن الكفر والمعاصي بإرادة الله . وأيضاً أخبر عنهم أنه لا خير لهم فيه وأنهم لا يحصلون منه إلا على ازدياد الغي والإثم ، والإتيان بخلاف خبر الله تعالى محال ، فعلمنا أنهم مجبورون على ذلك في صورة مختارين . أجابت المعتزلة بأن المراد أن هذا الإملاء ليس خيراً من موت الشهداء إذ الآية من تتمة قصة أحد ، لا أنه ليس بخير مطلقاً . وزيف بأن بناء المبالغة لا يجوز ذكره إلا مع المفضل عليه ، لكنه لم يذكر فعلمنا أنه لنفي الخيرية لا لنفي كونه خيراً من شيء آخر ، وعن الثاني أن ازدياد الإثم علة للإملاء وليس كل علة بغرض كقولك : قعدت عن الغزو للعجز والفاقة . ومثله { وجعلوا لله أنداداً ليضلوا }[ إبراهيم : 30 ] وهم ما فعلوا ذلك إلا ضلال . ويقال : ما كانت موعظتي لك إلا للزيادة في تماديك في الغي إذا كانت عاقبة الموعظة ذلك . ورد بأن حمل اللام على لام العاقبة عدول عن الظاهر ، على أنا نعلم بالبرهان أن علمه تعالى بأنهم مزدادون إثماً على تقدير الإمهال علة فاعلية لازديادهم إثماً فكان تعالى فاعلاً للازدياد ومريداً له . قالوا : في الكلام تقديم وتأخير وترتيبه : لا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً إنما نملي لهم خير لأنفسهم . ويعضده قراءة يحيى بن وثاب بكسر " إن " الأولى وفتح الثانية .
وردّ بأن التقديم والتأخير خلاف الأصل ، والقراءة الشاذة لا اعتداد بها مع أن الواحدي أنكرها . ثم إنه تعالى أخبر أنه لا يجوز في حكمته أن يترك المؤمنين على ما هم عليه من اختلاط المخلص بالمنافق ، ولكنه يعزل أحد الجنسين عن الآخر بإلقاء الحوادث وإبداء الوقائع كما في قصة أحد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.