الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ خَيۡرٞ لِّأَنفُسِهِمۡۚ إِنَّمَا نُمۡلِي لَهُمۡ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِثۡمٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّهِينٞ} (178)

قوله ( وَلاَ يَحْسِبَنَّ الذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ( {[11290]} ) خَيْرٌ لِّأَنْفُسِهِمُ ) الآية [ 178 ] .

من قرأ بالياء( {[11291]} ) الذين هم الفاعلون( {[11292]} ) و( أَنَّمَا ) في موضع المفعولين وما مع( {[11293]} ) نملي مصدر ويجوز أن تكون " ما " بمعنى الذي ، والهاء محذوفة من ( نُمْلِي ) ، والمعنى : ولا يحسبن يا محمد الكافرون الإملاء خيراً لهم ، فلما دخلت إن قامت مقام المفعولين فارتفع خير على خبر أن .

ومن قرأ بالتاء ، فقد زعم أبو حاتم أنه لحن ، وتابعه على ذلك غيره( {[11294]} ) " لأن الذين كفروا " يكونون في موضع نصب ، والمخاطب هو الفاعل وهو محمد صلى الله عليه وسلم فلا معنى لفتح " أن " على هذا( {[11295]} ) . وقال الزجاج : " إن " بدل من ( الذِينَ كَفَرُوا ) وهي تسد مسد المفعولين كأنه قال : ولا تحسبن يا( {[11296]} ) محمد أن إملاءنا للذين كفروا [ خير( {[11297]} ) لهم( {[11298]} ) . والكسائي( {[11299]} ) الفراء( {[11300]} ) يقدران الكلام على حد( {[11301]} ) كأنه : ولا تحسبن الذين كفروا ]( {[11302]} ) لا تحسبن أن ما نملي لهم ، وحذف المفعول الثاني من هذه الأفعال لا يجوز عند أحد فهو غلط منهما .

وقد قرأ يحيى بن وئاب( {[11303]} ) بكسر إن والياء( {[11304]} ) كأنه ليبطل عمل حسب مع أن كما أبطلها مع اللام وهو قبيح( {[11305]} ) .

وتأويل قول النحاس فيها يدل على أن يحيى قرأه بالتاء وكسر إن وذلك قبيح أيضاً أبعد مما( {[11306]} ) قبله( {[11307]} ) .

قال أبو حاتم : سمعت الأخفش يذكر كسر " إن " يحتج به لأهل القدر( {[11308]} ) لأنه كان منهم ، ويجعلهم على التقديم والتأخير ، كأنه قال : ولا تحسبن الذين [ كفروا ] أنما نملي لهم ليزدادوا إثماً ، إنما نملي خيراً لأنفسهم( {[11309]} ) . قال : ورأيت في مصحف في المسجد الجامع قد زادوا فيه حرفاً فصار : إن ما نملي لهم ليزدادوا إيماناً فنظر إليه يعقوب القارئ فتبين اللحن ، فحكه( {[11310]} ) . ومعنى : نملي لهم نؤخر لهم في الأجل .

قال ابن مسعود رضي الله عنه : الموت خير للكافر ، ثم تلا ( إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً )( {[11311]} ) ، وقال : الموت خير للمؤمن ثم تلا : ( وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلاَبْرَارِ )( {[11312]} ) .

وقيل( {[11313]} ) : إن الآية مخصوصة أريد بها قوم بأعيانهم علم الله تعالى منهم أنهم لا يسلمون أبداً ، وليست في كل كافر إذ قد يكون الإملاء له مما يدخله في الإيمان ، فيكون أحسن له وهو الصحيح في المعاني .


[11290]:- يقال أملى الله له: أمهله وأخره. انظر: اللسان أملى 15/290.
[11291]:- هي قراءة الجمهور، وقراءة التاء تنسب لحمزة وهي على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. انظر: السبعة 219 والكشف 1/365.
[11292]:- كذا..
[11293]:- (أ) منع.
[11294]:- انظر: إعراب النحاس 1/380.
[11295]:- حجة القراءات 182 ومشكل الإعراب 1/179.
[11296]:- (ب) (د): فإنه مال ولا يحسبن فهو خطأ.
[11297]:- (أ): خيراً وهو خطأ.
[11298]:- انظر: معاني الزجاج 1/391.
[11299]:- انظر: إعراب النحاس 1/380.
[11300]:- انظر: معاني الفراء 1/248.
[11301]:- (أ): حد.
[11302]:- ساقط من (ج).
[11303]:- هو يحيى بن وئاب الأسدي بالولاء توفي 103 هـ، ثقة إمام في القراءة، قليل الحديث، روى عن ابن عباس وابن عمر. انظر: تاريخ الثقات 476 والتهذيب 11/294 وغاية النهاية 2/380.
[11304]:- (ج): وبباء.
[11305]:- انظر: إعراب النحاس 1/380 والبحر 3/123-124.
[11306]:- (ج): بعد وهو خطأ.
[11307]:- انظر: إعراب النحاس 1/380.
[11308]:- احتج القدرية بهذه الآية على أن الإملاء من فعل الله تعالى وأنه فاعل الخير والشر وقد رد عليهم المعتزلة. (أ) إن حال الكفار فيما اختاروه ليس بخير لهم من حال المؤمنين الذين ثبتوا على الجهاد. (ب) ويمد الله لهم في العمر وهو يعلم أنهم سيستمرون على الكفر، ولن يصلحوا. (ج) والآية واردة في باب الجهاد فيجب أن تحمل على ذلك، انظر: متشابه القرآن 1/174، وتفسير الكبير 9/109 والجامع للأحكام 4/288.
[11309]:- ساقط من (أ) (ج).
[11310]:- (ب) (ج) (د): فحكمه وهو تحريف، وانظر: القصة في إعراب النحاس 1/380.
[11311]:- انظر: جامع البيان 4/187، والدر المنثور 2/392.
[11312]:- آل عمران آية 198.
[11313]:- انظر: هذا التوجيه في معاني الزجاج 1/491.