تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (16)

{ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } أي : ترتفع جنوبهم ، وتنزعج عن مضاجعها اللذيذة ، إلى ما هو ألذ عندهم منه وأحب إليهم ، وهو الصلاة في الليل ، ومناجاة اللّه تعالى .

ولهذا قال : { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } أي : في جلب مصالحهم الدينية والدنيوية ، ودفع مضارهما . { خَوْفًا وَطَمَعًا } أي : جامعين بين الوصفين ، خوفًا أن ترد أعمالهم ، وطمعًا في قبولها ، خوفًا من عذاب اللّه ، وطمعًا في ثوابه .

{ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } من الرزق ، قليلاً كان أو كثيرًا { يُنْفِقُونَ } ولم يذكر قيد النفقة ، ولا المنفق عليه ، ليدل على العموم ، فإنه يدخل فيه ، النفقة الواجبة ، كالزكوات ، والكفارات ، ونفقة الزوجات والأقارب ، والنفقة المستحبة في وجوه الخير ، والنفقة والإحسان المالي ، خير مطلقًا ، سواء وافق غنيًا أو فقيرًا ، قريبًا أو بعيدًا ، ولكن الأجر يتفاوت ، بتفاوت النفع ، فهذا عملهم .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ} (16)

قوله : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } التجافي ، عدم لزوم المكان{[3677]} وذلك وصف من الله للمؤمنين العابدين فإنهم تترفع جنوبهم وتتنحى عن الفرش ومضاجع النوم حيث الدعة والاسترخاء والدفء ، مبادرين القيام في همة من أجل الصلاة . فهم بذلك يؤثرون الصلاة والعبادة والدعاء على الفراش والركون للنوم والراحة . والمراد بذلك قيام الليل . وقيل الصلاة ما بين العشاءين ، أي المغرب والعشاء الآخرة .

قوله : { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا } أي يعبدون الله في الليل قياما ودعاء وتسبيحا خوفا من عقاب الله الوبيل وطمعا منهم في جزيل ثوابه ورضوانه .

قوله : { وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } وهذه صفة أخرى يصف الله بها عباده المؤمنين الصالحين وهي إنفاقهم مما رزقهم الله من المال في وجوه البر والخير والطاعة . وفي هذا الصدد روى الإمام أحمد عن معاذ بن جبل قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفره فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير ، فقلت : يا نبي الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار . قال : " لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه ، تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت " ثم قال : " ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، وصلاة الرجل في جوف الليل " ثم قرأ { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } حتى بلغ { جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ثم قال : " ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ " فقلت : بلى يا رسول الله فقال : " رأس الأمر الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله " ثم قال : " ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ " فقلت : بلى يا نبي الله ، فأخذ بلسانه ثم قال : " كف عليك هذا " فقلت : يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال : " ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم – أو قال على مناخرهم – إلا حصائد ألسنتهم ؟ ! " قال الترمذي عنه : حسن صحيح .


[3677]:القاموس المحيط ص 1640.