تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٖۚ قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ مَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ وَمَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (85)

{ 85-88 } { إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }

يقول تعالى { إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ } أي : أنزله ، وفرض فيه الأحكام ، وبين فيه الحلال والحرام ، وأمرك بتبليغه للعالمين ، والدعوة لأحكام جميع المكلفين ، لا يليق بحكمته أن تكون الحياة هي الحياة الدنيا فقط ، من غير أن يثاب العباد ويعاقبوا ، بل لا بد أن يردك إلى معاد ، يجازي فيه المحسنون بإحسانهم ، والمسيئون بمعصيتهم .

وقد بينت لهم الهدى ، وأوضحت لهم المنهج ، فإن تبعوك ، فذلك حظهم وسعادتهم ، وإن أبوا إلا عصيانك والقدح بما جئت به من الهدى ، وتفضيل ما معهم من الباطل على الحق ، فلم يبق للمجادلة محل ، ولم يبق إلا المجازاة على الأعمال من العالم بالغيب والشهادة ، والحق والمبطل . ولهذا قال : { قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } وقد علم أن رسوله هو المهتدي الهادي ، وأن أعداءه هم الضالون المضلون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٖۚ قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ مَن جَآءَ بِٱلۡهُدَىٰ وَمَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (85)

وأخبر تعالى أن السيئة لا يضاعف جزاؤها فضلاً منه ورحمة ، وقوله تعالى : { إن الذي فرض عليك القرآن } ، معناه أنزله عليك وأثبته ، والفرض أصله عمل فرضة في عود أو نحوه فكأن الأشياء التي تثبت وتمكن وتبقى تشبه ذلك الفرض ، وقال مجاهد معناه أعطاك القرآن وقالت فرقة في هذا القول حذف مضاف ، والمعنى «فرض عليك أحكام القرآن » ، واختلف المتأولون في معنى قوله { لرادك إلى معاد } ، فقال جمهور المتأولين : أراد إلى الآخرة ، أي باعثك بعد الموت ، فالآية على هذا مقصدها إثبات الحشر والإعلام بوقوعه ، وقال ابن عباس وأبو سعيد الخدري وغيرهما : «المعاد » الجنة وقال ابن عباس أيضاً وجماعة : «المعاد » الموت .

قال الفقيه الإمام القاضي : فكأن الآية على هذا واعظة ومذكرة ، وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد «المعاد » مكة ، وهذه الآية نزلت في الجحفة مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته إلى المدينة ، قال أبو محمد : فالآية على هذا معلمة بغيب قد ظهر للأمة ومؤنسة بفتح ، و «المعاد » الموضع الذي يعاد إليه وقد اشتهر به يوم القيامة لأنه معاد الكل ، وقوله تعالى : { قل ربي أعلم } الآية ، آية متاركة للكفار وتوبيخ ، وأسند الطبري في تفسير قوله { لرادك إلى معاد } قال إلى الجنة ، قال وسماها معاداً إما من حيث قد دخلها النبي صلى الله عليه وسلم في الإسراء وغيره وإما من حيث قد كان فيها آدم عليه السلام فهي معاد لذريته .

قال الفقيه الإمام القاضي : وإنما قال هذا من حيث تعطي لفظة «المعاد » أن المخاطب قد كان في حال يعود إليها وهذا وإن كان مما يظهر في اللفظ فيتوجه أن يسمى معاداً ما لم يكن المرء قط فيه تجوزاً ، ولأنها أحوال تابعة للمعاد الذي هو النشور من القبور .