تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

{ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا } أي : نحسا وشرا فظيعا عليهم فدمرتهم وأهلكتهم ، { فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى } أي : هلكى موتى { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } أي : كأنهم جذوع النخل التي قد قطعت رءوسها الخاوية الساقط بعضها على بعض .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

والتسخير : استعمال الشيء باقتدار عليه . وروي أن الريح بدأت بهم صبح يوم الأربعاء لثمان بقين لشوال ، وتمادت بهم إلى آخر يوم الأربعاء تكملة الشهر . و { حسوماً } ، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وأبو عبيدة معناه : كاملة تباعاً لم يتخللها غير ذلك ، وهذه كما تقول العرب ما لقيته حولاً محرماً ، قال الشاعر [ طفيل الغنوي ] : [ الطويل ]

عوازب لم تسمع نبوح مقامة*** ولم تر ناراً ثم حول مجرم{[11279]}

وقال الخليل : { حسوماً } ، أي شؤماً ونحساً ، وقال ابن زيد : { حسوماً } جمع حاسم كجالس وقاعد ، ومعناه أن تلك الأيتام قطعتهم بالإهلاك ، ومنه حسم العلل ومنه الحسام . والضمير في قوله { فيها صرعى } يحتمل أن يعود على دارهم وحلتهم لأن معنى الكلام يقتضيها وإن لم يلفظ بها . قال الثعلبي ، وقيل يعود على الريح ، وقد تقدم القول في التشبيه ب «أعجاز النخل » في سورة ( اقتربت الساعة ) . والخاوية : الساقطة التي قد خلت أعجازها بِلىً وفساداً .


[11279]:هذا البيت لطفيل الغنوي، الشاعر الجاهلي الذي عرف بوصفه للخيل حتى قال عنه في المؤتلف: "طفيل الخيل" جاء في كتاب الأمالي لأبي علي إسماعيل القالي: وقرأت على أبي بكر بن دريد لطفيل الغنوي يصف إبلا: عوازب لم تسمع نبوح مقامة ولم تر نارا تم حول مجرم سوى نار بيض أو غزال صريمة أغن من الخنس المناخر توأم إذا راعياها أنضجاه تراميا به خلسة أو شهوة المتقرم ونسبه في "الشعر والشعراء" لطفيل أيضا، وقال: إنه سبق به وجاء الحطيئة فأخذه منه وقال: عوازب لم تسمع نبوح مقامة ولم تحلب إلا نهارا ضجورها يعني: لم تحلب التي تضجر من الحلب في البرد، ولكن تحلب إذا طلعت عليها الشمس"، وكان ابن قتيبة قد سبق في ترجمته للحطيئة في كتاب (الشعر والشعراء) قد نسب هذا البيت الأخير هنا للحطيئة، وقال: إنه سبق به، وجاء ابن مقبل بعده فأخذه عن الحطيئة، وقال: عوازب لم تسمع نبوح مقامة ولم تر نارا تم حول مجرم وهو البيت نفسه الذي نسبه إلى طفيل الغنوي، وهكذا ناقض ابن قتيبة نفسه في كتاب واحد، فنسب البيت إلى طفيل الغنوي مرة، ونسبه إلى ابن مقبل مرة أخرى، وجعل البيت سابقا على بيت الحطيئة مرة ولا حقا له مرة أخرى، لكن رواية القالي في كتاب الأمالي ترجح أن البيت لطفيل الغنوي. وعوازب : بعيدات عن البيوت، والنبوح: أصوات الناس وضجيج السكان في الحي، والمقامة: حيث يقيم الناس، وتم الحول: تمامه وكماله، والمجرم: المكمل، يقول: إن هذه الإبل لقوم من أهل العزة والمنعة، ولهذا فهي ترعى وتمضي بعيدا حيث شاءت لا تمنع ولا تخاف، ولبعدها هذا فإنها لم تسمع أصوات الناس ولا ضجيج السكان في الحي، ولم تر نارا سوى نار بيض نعام يصيبه راعيها فيشويه، أو لحم غزال صغير ضئيل يصيده ثم يشويه أيضا، والصريمة: القطعة من الإبل، وأغن: في صوته غنة، والأخنس: القصير الأنف، وكل ظبي فهو أخنس، والتوأم: الذي ولد مع غيره، ولهذا كان صغير الجسم، وإذا صغر جسمه صغرت النار التي توقد لشوائه، وقوله: (تراميا به) يعني الغزال ، يترامى الراعيان لحمه عند الأكل: وخلسة: اختلاسا، والمتقرم: شديد الشهوة إلى اللحم. هذا وقد جاء في الأصول "المحرم" بالحاء بدلا من "المجرم" بالجيم.