تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

{ قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } :

أي : قل مناديا لأشرف الخلق ، وهم المؤمنون ، آمرا لهم بأفضل الأوامر ، وهي التقوى ، ذاكرا لهم السبب الموجب للتقوى ، وهو ربوبية اللّه لهم وإنعامه عليهم ، المقتضي ذلك منهم أن يتقوه ، ومن ذلك ما مَنَّ اللّه عليهم به من الإيمان فإنه موجب للتقوى ، كما تقول : أيها الكريم تصدق ، وأيها الشجاع قاتل .

وذكر لهم الثواب المنشط في الدنيا فقال : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا } بعبادة ربهم { حَسَنَة } ورزق واسع ، ونفس مطمئنة ، وقلب منشرح ، كما قال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً }

{ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ } إذا منعتم من عبادته في أرض ، فهاجروا إلى غيرها ، تعبدون فيها ربكم ، وتتمكنون من إقامة دينكم .

ولما قال : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ } كان لبعض النفوس مجال في هذا الموضع ، وهو أن النص عام ، أنه كل من أحسن فله في الدنيا حسنة ، فما بال من آمن في أرض يضطهد فيها ويمتهن ، لا يحصل له ذلك ، دفع هذا الظن بقوله : { وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ } وهنا بشارة نص عليها النبي صلى اللّه عليه وسلم ، بقوله ( لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر اللّه وهم على ذلك ) تشير إليه هذه الآية ، وترمي إليه من قريب ، وهو أنه تعالى أخبر أن أرضه واسعة ، فمهما منعتم من عبادته في موضع فهاجروا إلى غيرها ، وهذا عام في كل زمان ومكان ، فلا بد أن يكون لكل مهاجر ، ملجأ من المسلمين يلجأ إليه ، وموضع يتمكن من إقامة دينه فيه .

{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } وهذا عام في جميع أنواع الصبر ، الصبر على أقدار اللّه المؤلمة فلا يتسخطها ، والصبر عن معاصيه فلا يرتكبها ، والصبر على طاعته حتى يؤديها ، فوعد اللّه الصابرين أجرهم بغير حساب ، أي : بغير حد ولا عد ولا مقدار ، وما ذاك إلا لفضيلة الصبر ومحله عند اللّه ، وأنه معين على كل الأمور .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

قوله تعالى : { إنما يتذكر أولو الألباب قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم } بطاعته واجتناب معاصيه . { للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة } أي : آمنوا وأحسنوا العمل ، " حسنة " يعني الجنة ، قال مقاتل . وقال السدي : " في هذه الدنيا حسنة " يعني : الصحة والعافية . { وأرض الله واسعة } قال ابن عباس ، يعني ارتحلوا من مكة . وفيه حث على الهجرة من البلد الذي يظهر فيه المعاصي ، وقيل : نزلت في مهاجري الحبشة ، وقال سعيد بن جبير : من أمر بالمعاصي ببلدة فليهرب منها إلى غيرها . { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } الذين صبروا على دينهم ، فلم يتركوه للأذى . وقيل : نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه ، حيث لم يتركوا دينهم لما اشتد بهم البلاء ، وصبروا وهاجروا . قال علي رضي الله عنه : كل مطيع يكال له كيلاً ويوزن له وزناً إلا الصابرون ، فإنه يحثى لهم حثياً ، ويروى : " يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم الميزان ، ولا ينشر لهم ديوان ، ويصب عليهم الأجر صباً بغير حساب " ، قال الله تعالى :{ إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا أن أجسادهم تقرض بالمقاريض مما يذهب أهل البلاء من الفضل .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ} (10)

قوله تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } :

يأمر الله عباده المؤمنين أن يتقوا ربهم ، وذلك بعبادته وحده لا شريك له ، فيطيعوا أوامره ويجتنبوا نواهيه .

قوله : { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ } أعدَّ الله للمحسنين الذين أخلصوا دينهم لله وبادروا فعل الطاعات والصالحات واستقاموا على صراط الله القويم ومنهجه الحكيم – أعدَّ الله لهم حسنة وهي الجنة .

قوله : { وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ } فلا عذر للمفرطين المتخاذلين الذين يتعللون بأنهم مقهورون في بلادهم وأوطانهم فلم يتمكنوا من عبادة الله وطاعته ودعوة الناس إلى الإسلام بما يجدونه في أوطانهم من ظلم الظالمين الذين يصدونهم عن دين الله . بل عليهم أن يبادروا القرار بدينهم وترك الأوطان التي لا يستطيعون فيها أن يعبدوا الله أو يوشك أن تغشاهم فيها غاشية من الفتنة ، ينزلقون فيها عن الإسلام فينقلبون فاسقين مشركين . فلا جرم أنهم في مثل هذه الحال مكلفون بالهجرة إلى بلاد الله الواسعة التي يجدون فيها الأمن فيعبدون الله طُلقاء ويدعون الناس إلى منهج الحق ، منهج الإسلام .

قوله : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ذلك ثناء من الله عظيم على الصابرين الذين يصبرون على فراق الوطن والأهل والعشيرة والخلان ، ويصبرون على بلاء الغربة وهم بعيدون عن بلادهم وأهليهم فرارا بدينهم من أرض القهر والصدّ والفتنة . أولئك يوفّيهم الله أجورهم بغير حساب ؛ أي يعطون في الآخرة من جزيل الأجر والجزاء ما لا يحصره حساب من الكثرة .