تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا} (58)

{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا }

الأمانات كل ما ائتمن عليه الإنسان وأمر بالقيام به . فأمر الله عباده بأدائها أي : كاملة موفرة ، لا منقوصة ولا مبخوسة ، ولا ممطولا بها ، ويدخل في ذلك أمانات الولايات والأموال والأسرار ؛ والمأمورات التي لا يطلع عليها إلا الله . وقد ذكر الفقهاء على أن من اؤتمن أمانة وجب عليه حفظها في حرز مثلها . قالوا : لأنه لا يمكن أداؤها إلا بحفظها ؛ فوجب ذلك .

وفي قوله : { إِلَى أَهْلِهَا } دلالة على أنها لا تدفع وتؤدى لغير المؤتمِن ، ووكيلُه بمنزلته ؛ فلو دفعها لغير ربها لم يكن مؤديا لها .

{ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } وهذا يشمل الحكم بينهم في الدماء والأموال والأعراض ، القليل من ذلك والكثير ، على القريب والبعيد ، والبر والفاجر ، والولي والعدو .

والمراد بالعدل الذي أمر الله بالحكم به هو ما شرعه الله على لسان رسوله من الحدود والأحكام ، وهذا يستلزم معرفة العدل ليحكم به . ولما كانت هذه أوامر حسنة عادلة قال : { إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا } وهذا مدح من الله لأوامره ونواهيه ، لاشتمالها على مصالح الدارين ودفع مضارهما ، لأن شارعها السميع البصير الذي لا تخفى عليه خافية ، ويعلم بمصالح العباد ما لا يعلمون .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا} (58)

{ إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } خطاب يعم المكلفين والأمانات ، وإن نزلت يوم الفتح في عثمان بن طلحة بن عبد الدار لما أغلق باب الكعبة ، وأبى أن يدفع المفتاح ليدخل فيها رسول الله وقال : لو علمت أنه رسول الله لم أمنعه فلوى علي كرم الله وجهه يده وأخذه منه وفتح ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى ركعتين فلما خرج سأله العباس رضي الله عنه أن يعطيه المفتاح ويجمع له السقاية والسدانة . فنزلت فأمره الله أن يرده إليه ، فأمر عليا رضي الله عنه أن يرده ويعتذر إليه ، وصار ذلك سببا لإسلامه ونزل الوحي بأن السدانة في أولاده أبدا { وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل أي وأن تحكموا بالإنصاف والسوية إذا قضيتم بين من ينفذ عليه أمركم ، أو يرضى بحكمكم ولأن الحكم وظيفة الولاة قيل الخطاب لهم . { إن الله نعما يعظكم به } أي نعم شيئا بيعظكم به ، أو نعم الشيء الذي يعظكم به فما منصوبة موصوفة بيعظكم به . أو مرفوعة موصولة به . والمخصوص بالمدح محذوف وهو المأمور به من أداء الأمانات والعدل في الحكومات . { إن الله كان سميعا بصيرا } بأقوالكم وأحكامكم وما تفعلون في الأمانات .