ثم أخبر أيضا أن الذين يعبدونهم من دون الله في شغل شاغل عنهم باهتمامهم بالافتقار إلى الله وابتغاء الوسيلة إليه فقال : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ } من الأنبياء والصالحين والملائكة { يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } أي : يتنافسون في القرب من ربهم ويبذلون ما يقدرون عليه من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله تعالى وإلى رحمته ، ويخافون عذابه فيجتنبون كل ما يوصل إلى العذاب .
{ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } أي : هو الذي ينبغي شدة الحذر منه والتوقي من أسبابه .
وهذه الأمور الثلاثة الخوف والرجاء والمحبة التي وصف الله بها هؤلاء المقربين عنده هي الأصل والمادة في كل خير .
فمن تمت له تمت له أموره وإذا خلا القلب منها ترحلت عنه الخيرات وأحاطت به الشرور .
وعلامة المحبة ما ذكره الله أن يجتهد العبد في كل عمل يقربه إلى الله وينافس في قربه بإخلاص الأعمال كلها لله والنصح فيها وإيقاعها على أكمل الوجوه المقدور عليها ، فمن زعم أنه يحب الله بغير ذلك فهو كاذب .
وقوله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } . روى البخاري ، من حديث سليمان بن مِهْران الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي مَعْمر ، عن عبد الله في قوله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ } قال : ناس من الجن ، كانوا يعبدون ، فأسلموا . وفي رواية قال : كان ناس من الإنس ، يعبدون ناسًا من الجن ، فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم{[17613]} .
وقال قتادة ، عن معبد{[17614]} بن عبد الله الزِّمَّاني{[17615]} ، عن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن مسعود في قوله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ } قال : نزلت في نفر من العرب ، كانوا يعبدون نفرًا من الجن ، فأسلم الجِنِّيُّون ، والإنس الذين كانوا يعبدونهم لا يشعرون بإسلامهم ، فنزلت هذه الآية .
وفي رواية عن ابن مسعود : كانوا يعبدون صنفًا من الملائكة يقال لهم : الجن ، فذكره .
وقال السدي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } قال : عيسى وأمه ، وعُزير .
وقال مغيرة ، عن إبراهيم : كان ابن عباس يقول في هذه الآية : هم عيسى ، وعُزير ، والشمس ، والقمر .
وقال مجاهد : عيسى ، والعُزير ، والملائكة .
واختار ابن جرير قول ابن مسعود ؛ لقوله : { يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ } ، وهذا لا يعبر به{[17616]} عن الماضي ، فلا يدخل فيه عيسى والعُزير . قال : والوسيلة هي القربة ، كما قال قتادة ؛ ولهذا قال : { أَيُّهُمْ أَقْرَبُ }
وقوله : { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } : لا تتم العبادة إلا بالخوف والرجاء ، فبالخوف ينكف{[17617]} عن المناهي ، وبالرجاء ينبعث على{[17618]} الطاعات .
وقوله : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } أي : ينبغي أن يحذر منه ، ويخاف من وقوعه وحصوله ، عياذًا بالله منه .
{ أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة } هؤلاء الآلهة يبتغون إلى الله القرابة بالطاعة . { أيهم أقرب } بدل من واو { يبتغون } أي من هو أقرب منهم إلى الله الوسيلة فكيف بغير الأقرب . { ويرجون رحمته ويخافون عذابه } كسائر العباد فكيف تزعمون أنهم آلهة . { إن عذاب ربك كان محذورا } حقيقا بأن يحذره كل أحد حتى الرسل والملائكة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.