تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوۡ خَلۡقٗا مِّمَّا يَكۡبُرُ فِي صُدُورِكُمۡۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَاۖ قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖۚ فَسَيُنۡغِضُونَ إِلَيۡكَ رُءُوسَهُمۡ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا} (51)

{ فَسَيَقُولُونَ } حين تقيم عليهم الحجة في البعث : { مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } فكما فطركم ولم تكونوا شيئا مذكورا فإنه سيعيدكم خلقا جديدا { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } { فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ } أي : يهزونها إنكارا وتعجبا مما قلت ، { وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ } أي : متى وقت البعث الذي تزعمه على قولك ؟ لا إقرار منهم لأصل البعث بل ذلك سفه منهم وتعجيز . { قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا } فليس في تعيين وقته فائدة ، وإنما الفائدة والمدار على تقريره والإقرار به وإثباته وإلا فكل ما هو آت فإنه قريب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{أَوۡ خَلۡقٗا مِّمَّا يَكۡبُرُ فِي صُدُورِكُمۡۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَاۖ قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖۚ فَسَيُنۡغِضُونَ إِلَيۡكَ رُءُوسَهُمۡ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا} (51)

{ أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ }

قال ابن إسحاق عن ابن أبي نَجِيح ، عن مجاهد : سألت ابن عباس عن ذلك فقال : هو الموت .

وروى عطية ، عن ابن عمر أنه قال في تفسير هذه الآية : لو كنتم موتى لأحييتكم . وكذا قال سعيد بن جبير ، وأبو صالح ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك .

ومعنى ذلك : أنكم لو فرضتم أنكم لو{[17584]} صِرْتُم مَوْتًا الذي هو ضد الحياة لأحياكم الله إذا شاء ، فإنه لا يمتنع{[17585]} عليه شيء إذا أراده .

وقد ذكر بن جرير [ هاهنا ]{[17586]} حديث : " يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كَبْش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، ثم يقال : يا أهل الجنة ، أتعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم . ثم يقال : يا أهل النار ، أتعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم . فيذبح بين الجنة والنار ، ثم يقال : يا أهل الجنة ، خلود بلا موت ، ويا أهل النار ، خلود بلا موت " {[17587]} .

وقال مجاهد : { أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ } يعني : السماء والأرض والجبال .

وفي رواية : ما شئتم فكونوا ، فسيعيدكم الله بعد موتكم .

وقد وقع في التفسير المروي عن الإمام مالك ، عن الزهري في قوله { أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ } قال : النبي صلى الله عليه وسلم ، قال مالك : ويقولون : هو الموت .

وقوله [ تعالى ]{[17588]} { فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا } أي : من يعيدنا إذا كنا حجارة أو حديدًا أو خلقًا آخر شديدًا { قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي : الذي خلقكم ولم تكونوا شيئًا مذكورًا ، ثم صرتم بشرًا تنتشرون ؛ فإنه قادر على إعادتكم ولو صرتم إلى أي حال { وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] .

وقوله [ تعالى ]{[17589]} : { فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ } : قال ابن عباس وقتادة : يحركونها استهزاء .

وهذا الذي قالاه هو الذي تفهمه العرب من لغاتها ؛ لأن{[17590]} الإنغاض هو : التحرك من أسفل إلى أعلى ، أو من أعلى إلى أسفل ، ومنه قيل للظليم - وهو ولد النعامة - : نغضًا ؛ لأنه إذا مشى عَجل{[17591]} في مشيته وحَرك رأسه . ويقال : نَغَضَت{[17592]} سنُه إذا تحركت وارتفعت من مَنْبَتها ؛ قال : الراجز{[17593]} :

ونَغَضَتْ مِنْ هَرَم أسنانها . . .

وقوله : { وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ } إخبار عنه بالاستبعاد منهم لوقوع{[17594]} ذلك ، كما قال تعالى : { وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [ الملك : 25 ] ، وقال تعالى : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا } [ الشورى : 18 ] .

وقوله : { قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا } أي : احذروا ذلك ، فإنه قريب إليكم ، سيأتيكم لا محالة ، فكل ما هو آت آت .


[17584]:في ف: "قد".
[17585]:في ت: "إذا شاء فلا".
[17586]:زيادة من أ.
[17587]:تفسير الطبري (15/69) من طريق العوفيين عن ابن عمر، رضي الله عنه، وإسناده مسلسل بالضعفاء وأصله في صحيح مسلم برقم (2849) من حديث أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه.
[17588]:زيادة من ت.
[17589]:زيادة من ت.
[17590]:في ت، ف: "فإن".
[17591]:في ت، ف: "أعجل".
[17592]:في ت: "نغض".
[17593]:الرجز في تفسير الطبري (15/70).
[17594]:في ت: "وقوع".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَوۡ خَلۡقٗا مِّمَّا يَكۡبُرُ فِي صُدُورِكُمۡۚ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَاۖ قُلِ ٱلَّذِي فَطَرَكُمۡ أَوَّلَ مَرَّةٖۚ فَسَيُنۡغِضُونَ إِلَيۡكَ رُءُوسَهُمۡ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَۖ قُلۡ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ قَرِيبٗا} (51)

{ أو خلقا مما يكبر في صدوركم } أي مما يكبر عندكم عن قبول الحياة لكونه أبعد شيء منها ، فإن قدرته تعالى لا تقصر عن إحيائكم لاشتراك الأجسام في قبول الأعراض ، فكيف إذا كنتم عظاما مرفوتة وقد كانت غضة موصوفة بالحياة قبل والشيء أقبل لما عهد فيه مما لم يعهد . { فسيقولون من يُعيدنا قل الذي فطركم أول مرة } وكنتم ترابا وما هو أبعد منه من الحياة . { فسيُنغضون إليك رؤوسهم } فسيحركونها نحوك تعجبا واستهزاء . { ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا } فإن كل ما هو آت قريب ، وانتصابه على الخبر أو الظرف أي يكون في زمان قريب ، و{ أن يكون } اسم { عسى } أو خبره والاسم مضمر .