تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٞ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (146)

{ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }

هذا تسلية للمؤمنين ، وحث على الاقتداء بهم ، والفعل كفعلهم ، وأن هذا أمر قد كان متقدما ، لم تزل سنة الله جارية بذلك ، فقال : { وكأين من نبي } أي : وكم من نبي { قاتل معه ربيون كثير } أي : جماعات كثيرون من أتباعهم ، الذين قد ربتهم الأنبياء بالإيمان والأعمال الصالحة ، فأصابهم قتل وجراح وغير ذلك .

{ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا } أي : ما ضعفت قلوبهم ، ولا وهنت أبدانهم ، ولا استكانوا ، أي : ذلوا لعدوهم ، بل صبروا وثبتوا ، وشجعوا أنفسهم ، ولهذا قال : { والله يحب الصابرين }

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٞ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (146)

ثم قال تعالى - مسليًا للمسلمين{[5800]} عما كان وقع في نفوسهم يوم أُحُد - : { وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } قيل : معناه : كم من نبي قُتِل وقتل معه ربيون من أصحابه كثير . وهذا القول هو اختيار ابن جرير ، فإنه قال : وأما الذين قرؤوا : { قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } فإنهم قالوا : إنما عنى بالقتل النبي وبعض من معه من الربيين دون جميعهم ، وإنما نفي الوهن والضعف عمن بقي من الربيين ممن لم يقتل .

قال : ومن قرأ { قَاتَلَ } فإنه اختار ذلك لأنه قال : لو قتلوا{[5801]} لم يكن لقوله : { فَمَا وَهَنُوا } وجه معروف ؛ لأنهم يستحيل أن يُوصَفوا بأنهم لم يهنوا ولم يضعفوا بعد ما قتلوا .

ثم اختار قراءة من قرأ { قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } ؛ لأن الله [ تعالى ] {[5802]} عاتب بهذه الآيات والتي{[5803]} قبلها من انهزم يوم أحد ، وتركوا القتال أو سمعوا الصائح يصيح : " إن{[5804]} محمدا قد قتل " . فعذلهم الله على فرارهم وترْكِهم القتال فقال لهم : { أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ } أيها المؤمنون ارتددتم عن دينكم وانقلبتم على أعقابكم ؟ .

وقيل : وكم من نبي قتل بين يديه من أصحابه ربيون كثير{[5805]} .

وكلام ابن إسحاق في السيرة يقتضي قولا آخر ، [ فإنه ]{[5806]} قال : أي وكأين من نبي أصابه القتل ، ومعه ربيون ، أي : جماعات فما وهنوا بعد نبيهم ، وما ضعفوا عن عدوهم ، وما استكانوا لما أصابهم في الجهاد عن الله وعن دينهم ، وذلك الصبر ، { وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ } .

فجعل قوله : { مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } حالا وقد نصر هذا القول السهيلي وبالغ فيه ، وله اتجاه لقوله : { فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ } الآية ، وكذلك حكاه الأموي في مغازيه ، عن كتاب محمد بن إبراهيم ، ولم يقل {[5807]} غيره .

وقرأ بعضهم : { قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } قال سفيان الثوري ، عن عاصم ، عن زرّ ، عن ابن

مسعود { رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } أي : ألوف .

وقال ابن عباس ، ومجاهد وسعيد بن جُبَير ، وعِكْرِمة ، والحسن ، وقتادة ، والسُّدِّي ، والرَّبِيع ، وعطاء الخراساني : الربيون : الجموع الكثيرة .

وقال عبد الرزاق ، عن مَعْمَر عن الحسن : { رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } أي : علماء كثير ، وعنه أيضًا : علماء صبر أبرار أتقياء .

وحكى ابن جرير ، عن بعض نحاة البصرة : أن الربيين هم الذين يعبدون الرب ، عز وجل ، قال : ورد بعضهم عليه قال : لو كان كذلك لقيل رَبيون ، بفتح الراء .

وقال ابن زيد : " الربيون : الأتباع ، والرعية ، والربابيون :{[5808]} الولاة .

{ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا } قال قتادة والربيع بن أنس : { وَمَا ضَعُفُوا } بقتل نبيهم { وَمَا اسْتَكَانُوا } يقول : فما ارتدوا عن نصرتهم ولا عن دينهم ، أنْ قاتلوا على ما قاتل عليه نبي الله حتى لحقوا بالله .

وقال ابن عباس { وَمَا اسْتَكَانُوا } تَخَشَّعوا . وقال السُّدِّي وابن زيد : وما ذلوا لعدوهم .

وقال محمد بن إسحاق ، وقتادة والسدي : أي ما أصابهم ذلك حين قُتِل نبيهم . { وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ }


[5800]:في جـ، ر، أ، و: "للمؤمنين".
[5801]:في جـ: "لأنه لو قتلوا"، وفي ر: "فإنه قال لو قتلوا".
[5802]:زيادة من و.
[5803]:في و: "الذي".
[5804]:في ر: "بأن".
[5805]:في و: "وقيل: وكم من نبي قتل معه ربيون كثير".
[5806]:زيادة من جـ.
[5807]:في جـ، أ، و: "ولم يحك".
[5808]:في جـ، ر: "الربانيون".
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٞ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (146)

{ وكأين } أصله أي دخلت الكاف عليها وصارت بمعنى كم والنون تنوين أثبت في الخط على غير قياس . وقرأ ابن كثير " وكائن " ككاعن ووجهه أنه قلب قلب الكلمة الواحدة كقولهم وعملي في لعمري ، فصار كأين ثم حذفت الياء الثانية للتخفيف ثم أبدلت الياء الأخرى ألفا كما أبدلت من طائي { من نبي } بيان له . { قاتل معه ربيون كثير } ربانيون علماء أتقياء ، أو عابدون لربهم . وقيل جماعات والربى منسوب إلى الربة وهي الجماعة للمبالغة . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب { قتل } ، وإسناده إلى { ربيون } أو ضمير النبي و{ معه ربيون } حال منه ويؤيد الأول أنه قرئ بالتشديد وقرئ { ربيون } بالفتح على الأصل وبالضم وهو من تغييرات النسب كالكسر . { فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله } فما فتروا ولم ينكسر جدهم لما أصابهم من قتل النبي أو بعضهم . { وما ضعفوا } عن العدو أو في الدين . { وما استكانوا } وما خضعوا للعدو وأصله استكن من السكون لأن الخاضع يسكن لصاحبه ليفعل به ما يريده ، والألف من إشباع الفتحة أو استكون من الكون لأنه يطلب من نفسه أن يكون لمن يخضع له ، وهذا تعريف بما أصابهم عند الإرجاف بقتله عليه الصلاة والسلام { والله يحب الصابرين } فينصرهم ويعظم قدرهم .