{ 1 - 2 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ }
الحمد : الثناء بالصفات الحميدة ، والأفعال الحسنة ، فللّه تعالى الحمد ، لأن جميع صفاته ، يحمد عليها ، لكونها صفات كمال ، وأفعاله ، يحمد عليها ، لأنها دائرة بين الفضل الذي يحمد عليه ويشكر ، والعدل الذي يحمد عليه ويعترف بحكمته فيه .
وحمد نفسه هنا ، على أن { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } ملكا وعبيدا ، يتصرف فيهم بحمده . { وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ } لأن في الآخرة ، يظهر من حمده ، والثناء عليه ، ما لا يكون في الدنيا ، فإذا قضى اللّه تعالى بين الخلائق كلهم ، ورأى الناس والخلق كلهم ، ما حكم به ، وكمال عدله وقسطه ، وحكمته فيه ، حمدوه كلهم على ذلك ، حتى أهل العقاب ما دخلوا النار ، إلا وقلوبهم ممتلئة من حمده ، وأن هذا من جراء أعمالهم ، وأنه عادل في حكمه بعقابهم .
وأما ظهور حمده في دار النعيم والثواب ، فذلك شيء قد تواردت به الأخبار ، وتوافق عليه الدليل السمعي والعقلي ، فإنهم في الجنة ، يرون من توالي نعم اللّه ، وإدرار خيره ، وكثرة بركاته ، وسعة عطاياه ، التي لم يبق في قلوب أهل الجنة أمنية ، ولا إرادة ، إلا وقد أعطي فوق ما تمنى وأراد ، بل يعطون من الخير ما لم تتعلق به أمانيهم ، ولم يخطر بقلوبهم .
فما ظنك بحمدهم لربهم في هذه الحال ، مع أن في الجنة تضمحل العوارض والقواطع ، التي تقطع عن معرفة اللّه ومحبته والثناء عليه ، ويكون ذلك أحب إلى أهلها من كل نعيم ، وألذ عليهم من كل لذة ، ولهذا إذا رأوا اللّه تعالى ، وسمعوا كلامه عند خطابه لهم ، أذهلهم ذلك عن كل نعيم ، ويكون الذكر لهم في الجنة ، كالنَّفس ، متواصلا في جميع الأوقات ، هذا إذا أضفت ذلك إلى أنه يظهر لأهل الجنة في الجنة كل وقت من عظمة ربهم ، وجلاله ، وجماله ، وسعة كماله ، ما يوجب لهم كمال الحمد ، والثناء عليه .
{ وَهُوَ الْحَكِيمُ } في ملكه وتدبيره ، الحكيم في أمره ونهيه . { الْخَبِيرُ } المطلع على سرائر الأمور وخفاياها ولهذا فصل علمه بقوله : { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ }
يخبر تعالى عن نفسه الكريمة : أن له الحمدَ المطلق في الدنيا والآخرة ؛ لأنه المنعم المتفضل على أهل الدنيا والآخرة ، المالك لجميع ذلك ، الحاكم في جميع ذلك ، كما قال : { وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ القصص : 70 ] ؛ ولهذا قال هاهنا : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ } أي : الجميع ملكه وعبيده وتحت قهره وتصرفه ، كما قال : { وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأولَى } [ الليل : 13 ] .
ثم قال : { وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ } ، فهو المعبود{[24144]} أبدا ، المحمود على طول المدى . وقال : { وَهُوَ الْحَكِيمُ } أي : في أقواله وأفعاله وشرعه وقَدَره ، { الْخَبِيرُ } الذي لا تخفى عليه خافية ، ولا يغيب عنه شيء .
وقال مالك عن الزهري : خبير بخلقه ، حكيم بأمره ؛ ولهذا قال : { يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا }
القول في تأويل قوله تعالى : { الْحَمْدُ للّهِ الّذِي لَهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الاَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } .
يقول تعالى ذكره : الشكر الكامل ، والحمد التامّ كله ، للمعبود الذي هو مالك جميع ما في السموات السبع ، وما في الأرَضين السبع دون كل ما يعبدونه ، ودون كل شيء سواه ، لا مالك لشيء من ذلك غيره فالمعنى : الذي هو مالك جميعه وَلهُ الحَمْدُ فِي الاَخِرَةِ يقول : وله الشكر الكامل في الاَخرة ، كالذي هو له ذلك في الدنيا العاجلة ، لأن منه النعم كلها على كل من في السموات والأرض في الدنيا ، ومنه يكون ذلك في الاَخرة ، فالحمد لله خالصا دون ما سواه في عاجل الدنيا ، وآجل الاَخرة ، لأن النعم كلها من قِبله لا يُشركه فيها أحد من دونه ، وهو الحكيم في تدبيره خلقه وصرفه إياهم في تقديره ، خبير بهم وبما يصلحهم ، وبما عملوا ، وما هم عاملون ، محيط بجميع ذلك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَهوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ حكيم في أمره ، خبير بخلقه .
بسم الله الرحمن الرحيم { الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض } خلقا ونعمة ، فله الحمد في الدنيا لكمال قدرته وعلى تمام نعمته ، { وله الحمد في الآخرة } لأن ما في الآخرة أيضا كذلك ، وليس هذا من عطف المقيد على المطلق فإن الوصف بما يدل على أنه المنعم بالنعم الدنيوية قيد الحمد بها ، وتقديم الصلة للاختصاص فإن النعم الدنيوية قد تكون بواسطة من يستحق الحمد لأجلها ولا كذلك نعم الآخرة . { وهو الحكيم } الذي أحكم أمور الدارين . { الخبير } ببواطن الأشياء .
هي سورة مكية واختلف في قوله تعالى :{ ويرى الذين أوتوا العلم } [ سبأ : 6 ] الآية{[1]} فقالت فرقة هي مكية والمراد المؤمنون بالنبي صلى الله عليه وسلم وقالت فرقة هي مدنية والمراد من أسلم بالمدينة من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأشباهه{[2]} .
الألف واللام في { الحمد } لاستغراق الجنس ، أي { الحمد } على تنوعه هو { لله } تعالى من جميع جهات الفكرة ، ثم جاء بالصفات التي تستوجب المحامد وهي ملكه جميع ما في السماوات والأرض ، وعلمه المحيط بكل شيء وخبرته بالأشياء إذ وجودها إنما هو به جلت قدرته ورحمته بأنواع خلقه وغفرانه لمن سبق في علمه أن يغفر له من مؤمن{[9594]} .
وقوله تعالى : { وله الحمد في الآخرة } يحتمل أن تكون الألف واللام للجنس أيضاً وتكون الآية خبراً ، أي أن الحمد في الآخرة هو له وحده لإنعامه وإفضاله وتغمده وظهور قدرته وغير ذلك من صفاته ، ويحتمل أن تكون الألف واللام فيه للعهد والإشارة إلى قوله تعالى : { وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين }{[9595]} [ يونس : 10 ] أو إلى قوله { وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده }{[9596]} [ الزمر : 74 ] .