تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمۡ قُلۡ إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤۡتَىٰٓ أَحَدٞ مِّثۡلَ مَآ أُوتِيتُمۡ أَوۡ يُحَآجُّوكُمۡ عِندَ رَبِّكُمۡۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (73)

{ و } قال بعضهم لبعض { لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم } أي : لا تثقوا ولا تطمئنوا ولا تصدقوا إلا من تبع دينكم ، واكتموا{[159]}  أمركم ، فإنكم إذا أخبرتم غيركم وغير من هو على دينكم حصل لهم من العلم ما حصل لكم فصاروا مثلكم ، أو حاجوكم عند ربكم وشهدوا عليكم أنها قامت عليكم الحجة وتبين لكم الهدى فلم تتبعوه ، فالحاصل أنهم جعلوا عدم إخبار المؤمنين بما معهم من العلم قاطعا عنهم العلم ، لأن العلم بزعمهم لا يكون إلا عندهم وموجبا للحجة عليهم ، فرد الله عليهم بأن { الهدى هدى الله } فمادة الهدى من الله تعالى لكل من اهتدى ، فإن الهدى إما علم الحق ، أو إيثارة ، ولا علم إلا ما جاءت به رسل الله ، ولا موفق إلا من وفقه الله ، وأهل الكتاب لم يؤتوا من العلم إلا قليلا ، وأما التوفيق فقد انقطع حظهم منه لخبث نياتهم وسوء مقاصدهم ، وأما هذه الأمة فقد حصل لهم ولله الحمد من هداية الله من العلوم والمعارف مع العمل بذلك ما فاقوا به وبرزوا على كل أحد ، فكانوا هم الهداة الذين يهدون بأمر الله ، وهذا من فضل الله عليها وإحسانه العظيم ، فلهذا قال تعالى { قل إن الفضل بيد الله } أي : الله هو الذي يحسن على عباده بأنواع الإحسان { يؤتيه من يشاء } ممن أتى بأسبابه { والله واسع } الفضل كثير الإحسان { عليم } بمن يصلح للإحسان فيعطيه ، ومن لا يستحقه فيحرمه إياه .


[159]:- المراد - والله أعلم -: واكتموا أمركم عن غير من تبع دينكم.
 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَا تُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمۡ قُلۡ إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤۡتَىٰٓ أَحَدٞ مِّثۡلَ مَآ أُوتِيتُمۡ أَوۡ يُحَآجُّوكُمۡ عِندَ رَبِّكُمۡۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (73)

وقوله : { وَلا تُؤْمِنُوا إِلا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ } أي : لا تطمئنوا وتظهروا سركم وما عندكم إلا لمن اتبع دينكم ولا تظهروا ما بأيديكم إلى المسلمين ، فيؤمنوا به ويحتجوا{[5172]} به عليكم ؛ قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ } أي هو الذي يهدي قلوب المؤمنين إلى أتم الإيمان ، بما ينزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات البينات ، والدلائل القاطعات ، والحجج الواضحات ، وَإنْ كتمتم{[5173]} - أيها اليهود - ما بأيديكم من صفة محمد في{[5174]} كتبكم التي نقلتموها عن الأنبياء الأقدمين .

وقوله { أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ } يقولون : لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين ، فيتعلموه منكم ، ويساووكم{[5175]} فيه ، ويمتازوا{[5176]} به عليكم لشدة الإيمان{[5177]} به ، أو يحاجوكم{[5178]} به عند الله ، أي : يتخذوه حجة عليكم مما بأيديكم ، فتقوم{[5179]} به عليكم الدلالة وتَتَركَّب الحجةُ في الدنيا والآخرة .

قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } أي : الأمورُ كلها تحت تصريفه ، وهو المعطي المانع ، يَمُنّ على من يشاء بالإيمان والعلم والتصور التام ، ويضل من يشاء ويُعمي بصره وبصيرته ، ويختم على سمعه وقلبه ، ويجعل على بصره غشاوة ، وله الحجة والحكمة{[5180]} .

{ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } .


[5172]:في جـ، أ، و: "يحتجون".
[5173]:في جـ، ر: "كنتم".
[5174]:في و: "صفة محمد التي في".
[5175]:في جـ، ر، و: "يساوونكم".
[5176]:في جـ، ر: "ويمتازون".
[5177]:في جـ، أ: "بشدة الآيات".
[5178]:في جـ، ر: "ويحاجوكم".
[5179]:في أ: "فيقوم".
[5180]:في أ: "والحكم".