فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَا تُؤۡمِنُوٓاْ إِلَّا لِمَن تَبِعَ دِينَكُمۡ قُلۡ إِنَّ ٱلۡهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤۡتَىٰٓ أَحَدٞ مِّثۡلَ مَآ أُوتِيتُمۡ أَوۡ يُحَآجُّوكُمۡ عِندَ رَبِّكُمۡۗ قُلۡ إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٞ} (73)

( ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحدا مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم 73 يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم74 )

( ولا تؤمنوا ) هذا من كلام اليهود بعضهم لبعض أي قال الرؤساء للسفلة لا تصدقوا تصديقا صحيحا ( إلا لمن تبع دينكم ) من أهل الملة التي أنتم عليها ، وأما غيرهم ممن أسلم فأظهروا لهم ذلك خداعا وجه النهار ، واكفروا آخره ليفتتنوا .

والمعنى ان ما بكم من الحسد والبغي ، أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من فضل العلم والكتاب دعاكم إلى أن قلتم ما قلتم ، أولا تؤمنوا إيمانا صحيحا وتقروا بما في صدوركم إقرارا صادقا لغير من تبع دينكم ، فعلتم ذلك ودبرتموه وإن المسلمين يحاجوكم يوم القيامة عند الله بالحق .

وقال الأخفش المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ولا تصدقوا أن يحاجوكم ، وقيل المراد لا تؤمنوا وجه النهار وتكفروا آخره إلا لمن تبع دينكم أي لمن دخل في الإسلام وكان من أهل دينكم قبل إسلامه ، لأن إسلام من كان منهم هو الذي قتلهم غيظا وأماتهم حسرة وأسفا .

وقيل لا تؤمنوا أي لا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أي أسروا تصديقكم بأن المسلمين قد أوتوا من كتب الله مثل ما أوتيتم ولا تفشوه إلا لأتباع دينكم .

وقيل المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم بالمد على الاستفهام تأكيدا للإنكار الذي قالوه لا يؤتى أحد مثل ما أوتوه .

وقال ابن جريج المعنى ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كراهة أن يؤتى ، وقيل المعنى لا تخبروا بما في كتبكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم إلا لمن تبع دينكم لئلا يكون ذلك سببا لإيمان غيركم بمحمد صلى الله عليه وسلم .

واختلف الناس المفسرون والمعربون في هذه الآية على أوجه ، وذكروا منها تسعة أوضحها وأقربها ما ذكرناه ، وقال الفراء : يجوز أن يكون قد انقطع كلام اليهود عند قوله لمن تبع دينكم ، ثم قال الله سبحانه لمحمد صلى الله عليه وسلم ( قل إن الهدى هدى الله ) أي إن البيان الحق بيان الله بين ( أن ) لا ( يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ) على تقدير لا كقوله تعالى ( يبين الله لكم أن تضلوا ) أي لئلا تضلوا .

( أو يحاجوكم عند ربكم ) " أو " بمعنى حتى ، كذلك قال الكسائي : وهي عند الأخفش عاطفة ، وقد إن هذه الآية أعظم آي هذه السورة إشكالا وذلك صحيح .

قال الواحدي : وهذه الآية من مشكلات القرآن وأصعبه تفسيرا وإعرابا ، ولقد تدبرت أقوال أهل التفسير والمعاني في هذه الآية فلم أجد قولا يطرد في الآية من أولها إلى آخرها مع بيان المعنى وصحة النظم انتهى ، وقد لخصه من كلام الناس الشيخ سليمان الجمل مع اختلافه فمن شاء فليرجع إليه .

( قل إن الفضل ) يعني التوفيق للإيمان والهداية للإسلام ( بيد الله يؤتيه من يشاء ) أي من أراده من خلقه وفيه تكذيب اليهود في قولهم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ( والله واسع ) أي ذو سعة يتفضل على من يشاء ( عليم ) بمن هو أهله .